تحرير المرأة الغربية - القصة الكاملة (1)
السَّلَامُ عَليكُم ورَحمةُ اللهِ
نحنُ الآنَ فِي القَرنِ التاسع العشرة الميلادِيِّ في أورُوبَّا،
تحديدًا في بريطانيَا، نَحضُرُ هذا المَزادَ العَلَنيَّ
ما البِضَاعةِ التِّي يَعْرِضُها البَائِعُ يَا تُرَى؟ -إنَّها زَوْجَتُه
-زَوْجَتهُ؟!
-نَعم، كَانَ بَعضُ الرِّجالِ يَبِيعُونَ زَوجَاتِهم
اكتب بيعُ الزَّوجَاتِ "Wife Selling"
في مَوْقعِ هستوري "History" مَثلًا لِترَى تَوثيقًا لهذِهِ العَادةِ،
فَبَيعُ الزَّوجةِ كان أَوفرَ مِن تَكاليفِ طَلاقِها، وكان يُسَاعدُ الرَّجُلَ في سَدادِ بَعضِ دُيُونه،
وهُناكَ رُسوماتٌ في الأرشِيفِ التَّاريخِيِّ الغَربِيِّ لهَذهِ الظَّاهِرَةِ
المَرأةُ المُزعجَةُ لِزوجِهَا -اللي بتنق-
وبالمنَاسبةِ نفسُ الكَلمةِ بالإِنْجليزيَّة المرأة المُلِحّة "Nagging Woman"، بتنُق
كَانت إِحدَى العُقُوباتِ المُستَخدَمَةِ معهَا لِجَامُ التَّأنِيبِ "Scold's Bridle"
قَفصٌ حَدِيديٌّ لِلرَّأسِ، تَبرزُ مِنهُ للدَّاخِلِ قِطعَةٌ لِتُوضعَ تحتَ اللِّسانِ،
بحيثُ لا تَستطيعُ المَرأةُ التَّكلُّمَ، وتبقَى مُعاقَبةً بهِ لسَاعاتٍ
وبإمكَانِكَ حضورُ هذَا الفِيلم عن لِجامِ التَّأنِيبِ؛
لترَى كيفَ كانُوا يَصِفُونَ صوتَ المَرأةِ -إذا أزعَجت- بِالنُّباحِ
ويستَخدِمُونَ معها هذا اللِّجامَ
الذِي استُخدِم أيضًا لِعقَابِ المرأةِ التِي تَنشُرُ الإشاعاتِ، أو تَنُمُّ بينَ النَّاسِ
أشكالٌ مُتنوِّعةٌ من الظُّلمِ وَقعت على المرأةِ
وبِشكلٍ أَكبرَ في نِساءِ الطَّبقاتِ الدُّنيَا اجتِماعِيًّا
لِمن تَلجأُ هَذهِ المَرأةُ؟
كانَ يُمكنُ أَنْ تَبحثَ المَرأةُ عنِ العَدلِ بَينَها وبينَ الرَّجُلِ،
وعن تَحصِيلِ حقِّهَا بِإحقاقِ الحقِّ وإبطالِ الباطلِ،
لكن هذهِ المَعَانِي -الحقُّ، والعدْلُ- تحتَاجُ وَحيًا ربَّانيًّا،
مَرجِعًا يتَّفِقُ عليهِ الرَّجُلُ والمرأَةُ معًا
نَظرَتِ المرأَةُ الغَربيَّةُ في النُّصوصِ الدِّينيَّةِ لَديهَا فِي دِينِها،
فَوَجَدَت أنَّ المرأَةَ عليهَا أنْ تَتعلَّمَ بِسُكوتٍ وَبِكلِّ خُضوعٍ
وأنَّهُ لا يُؤذَنُ لها أنْ تُعلِّمَ ولَا تَتسلَّطَ على الرَّجلِ
-لماذَا؟ -لأَنَّها حَوَّاءُ؛ حَوَّاءُ هيَ التِي أُغوِيَت وتَعدَّت،
فَأغوَت آدمَ فَهيَ أصلُ الخَطيئَةِ،
وهيَ تَسبَّبَت فِي شَقاءِ الجِنسِ البَشرِيِّ؛ لذَا فإنَّ الرَّبَّ -حَسبَ نُصوصِ دِينِهَا-
يُعاقِبُهَا بِأتعَابِ الحَملِ والوِلادَةِ، وجَعْلِ الرَّجُلِ سَيِّدًا عليهَا
قَرأَتِ المَرأةُ الغَربيَّةُ فِي نُصوصِ دِينِهَا أَنَّهَا خُلِقَت مِن أَجلِ الرَّجُلِ، ولَمْ يُخلَقِ الرَّجلُ مِن أَجلِهَا
وأنَّهُ يُمكِنُ لِلرَّجلِ أنْ يَبِيعَ ابنتَهُ،
وَمَرَاجعُ هَذهِ النُّصُوصِ تَجِدُونَها في التَّعلِيقَاتِ
لِذَا فإنَّ كثِيرًا منَ النِّساءِ الغَربِيَّاتِ لمْ يَرينَ في دِينِهِنَّ مُنقِذًا لَهُنَّ مِن حالةِ الظُّلمِ
طَيِّب، إِذَا لمْ يَكُنِ المَرجِعُ للمَرأةِ وَحيًا رَبَّانيًّا يُرَسِّمُ الحُدُودَ وَيُبيِّنُ حُقوقَ المَرأةِ وَوَاجِبَاتِها
عَلى أَساسِ الحَقِّ والعَدلِ، فَعَلَى أَيِّ أَسَاسٍ تُنصَفُ المَرأةُ؟
لَم يَبقَ إلَّا القِيَمُ التِي يُعلنُ الغَربُ أنَّهُ يَحتكِمُ إليها، قِيَمُ الحُرِّيَّةِ والمُسَاواةِ
إِذَن، لا بُدَّ أنْ تُحقِّقَ المرأةُ الحُرِّيَّةَ، وأنْ تُحَقِّقَ المُسَاواةَ مَع الرَّجُلِ
طيِّب، مَاذا إذَا كَانت بعضُ أشكالِ هذهِ الحُرِّيَّةِ والمُساواةِ تُعَارِضُ الحَقَّ والعَدلَ؟
مَنِ الذِي يُفتَرضُ أنْ يُحَدِّدَ الحَقَّ والعَدلَ؟ -الدِّينُ
-قُلنَا لَكَ! الدِّينُ بِالنِّسبَةِ لنَا خَصمٌ، لَا حَكَمٌ
وَهكذَا انطَلَقَت ثَورَةُ تَحريرِ المرأةِ الغَربِيَّةِ "Woman Liberation"
بِبَوصلةٍ بَشريَّةٍ، لا رَبَّانيَّةٍ
وكالعَادةِ فإنَّ كُلَّ جُنوحٍ في اتِّجَاهٍ، يَكُونُ سَببًا للجُنوحِ في الطَّرفِ الآخَرِ،
فَظَهرتْ معَ ثَورةِ تَحرِيرِ المرأةِ نَزعةُ النَّسَوِيَّةِ "Feminism"،
التِي انتَقلَتْ إلى مرحَلةِ التَّحدِّي للذُّكورِ، والنِّدِّيَّةِ والعِدَائِيَّةِ،
وكأنَّهُ انتِقامٌ للظُّلمِ التَّاريخِيِّ،
وانْطلقَتِ الشِّعاراتُ النَّسَويَّةُ التِي مُلخَّصُها: أنَّ الرَّجلَ لا يُؤتَمنُ أَبَدًا،
وأنَّ المرأةَ لا بُدَّ أنْ تَكُونَ نِدًّا لهُ، وتُنافسَهُ فِي كلِّ شَيءٍ،
وأنَّ المرأَةَ يَجبُ أن لَا تُضَحِّيَ مِن أجلِ أيِّ شخصٍ، لا أحَدَ يَستحِقُّ تَضحِيتَكِ إلَّا نَفسَكِ وبَناتُ جِنسِكِ،
يَجِبُ ألَّا يَكُونَ لأَحدٍ سُلطَةٌ عَليكِ وأن لَا تَحتَاجِي أَحدًا،
فَلسْتِ بحَاجةٍ لا إلى زَوجٍ ولَا إلى أَخٍ ولا إلى أَبنَاءَ
قُدْرَتُكِ على الإنفَاقِ -على نَفْسِكِ- هيَ مَصدرُ احتِرَامِكِ لذَاتِكِ،
فإذَا سَمَحتِ لأَحَدٍ أنْ يُنفِقَ عَليكِ فَقد فَقَدتِ كَرامَتكِ وأصبَحتِ مُستَعبَدةً،
فَلا بُدَّ مِن أنْ تَستقِلِّي مَاليًّا
هُنا، ظَهرَتْ بَعضُ الأَصواتِ العَاقِلةِ مُنادِيَةً؛
أَنَّهُ إذَا أَصبَحَتْ قِيمَةُ المرأةِ تُقَاسُ بِإنتَاجِها المَادِّيِّ فمَنْ سَيَرعَى الأبناءَ؟
وإذَا أَصبَحَتِ العَلاقةُ مع الأزواجِ نِدِّيَّةً، فَمنْ سَيَقُودُ الأُسرةَ؟
ومنْ سَيَنفُذُ رَأيُهُ في النِّهايةِ؟ هذا كُلُّهُ يُهدِّدُ بِتَدميرِ كيِاَنِ الأُسرةِ
أولادٌ! أُسرةٌ!، فلْيَذهبُوا إلى الجَحِيمِ،
أنتُم ترِيدونَ استعبَادَ المرأَةِ من جَديدٍ تحتَ هذهِ المُسمَّياتِ البرَّاقَةِ،
قُلنا لَكم: لا أحدَ يَستَحِقُّ تَضحيَتِي إلا أَنا، وطُمُوحاتِي، وتَحريرُ بناتِ جِنسِي،
لنْ أسمحَ لشيءٍ أن يَقِفَ عائقًا في طرِيقِ مَطالِبِيَ العَادِلةِ
أنا مَظلومَةٌ! كَفَاكُم ظُلمًا!
وبهذا تمَّ التَّنميطُ "Stereotyping"
لكُلِّ الأصواتِ المُطالِبةِ بِحمَايةِ كَيانِ الأُسرةِ والمجتَمعِ،
بأنَّها تُحارِبُ حُرِّيَّةَ المرأةِ وتُريدُ العَودةَ بهَا إلى الاستِعبادِ والظَّلامِ
وتَمَّ تَغذِيةُ عُقدَةِ المَظلوميَّةِ لَدى المرأةِ لِتُبرِّرَ أيَّ تَصرُّفٍ مَهمَا كان،
ظُلِمَتْ كثيرًا، مَاذا فِيها -حتَّى وإِنْ ظَلمَتْ قَليلًا- لِتَحصُلَ على حُرِّيَّتِها ومُساواتِها؟!
يَظهرُ هذا في تَصريحَاتِ كَثيرٍ مِن قَائِدَات النَسَوِيَّات،
مِثلَ الأَمرِيكيَّةِ هيلين سولينجر "Helen Solinger"، القَائِلةِ:
"لَقدْ رَوَّجَ علينا الرِّجَالُ فِكرَةَ الزَّواجِ،
ونحْنُ الآنَ نَعلمُ أنَّ مُؤسَّسةَ الزَّواجِ هي التِي أَفشَلتنَا، وعلينا أنْ نَعملَ على تَدميرِها،
إِنهَاءُ مُؤسَّسةِ الزَّواجِ شرطٌ أسَاسيٌّ لتَحريرِ المرأةِ؛
ولذَا فَعلينَا أنْ نُشجِّعَ النِّساءِ على تَركِ أَزواجِهنَّ لا أنْ يَعِشنَ مَعهم،
يَجِبُ إعادةُ كِتابةِ التَّارِيخِ -كامِلًا- عَلى ضوءِ الظُّلمِ الذِي تَعرَّضَتْ لهُ المرأةُ"
وهُناكَ الكثِيرُ منَ التَّصرِيحاتِ المُمَاثِلةِ للقِيَاداتِ النَّسوِيَّةِ
هذهِ المرأةُ -المَظلومةُ الثَّائرةُ التِي كلُّ تَصرُّفاتِها مُبرَّرَةٌ-
كانتْ غَنيمةً لتُجَّارِ القَضايَا منَ السَّاسةِ، وكِبارِ الرَّأْسماليِّينَ، ودُعاةِ الفَوضَى الأَخلاقِيَّةِ،
وأصحابِ الملفات الخاصَّةِ، وَعامَّتُهم منَ الرِّجالِ -بِالمُنَاسبةِ-،
فَركِبَ هؤُلاءِ مَوجَةَ النَّسوِيَّةِ وتحريرِ المرأةِ،
وهُوَ مَا اعتَرفَتْ بهِ بعضُ النَّسوِيَّاتِ أَنفُسِهنَّ في نِهايَةِ المَطَافِ،
كمَا فِي هذَا المَقالِ الذِي كَتَبَتهُ النَّسوِيَّةُ نانسي فرِيزر "Nancy Fraser"
في الجارديان "The Guardian" البريطانية بِعُنوانِ:
"كيفَ تَحَوَّلتِ النَّسوِيَّةُ إلى خَادمَةٍ في يَدِ الرَّأسماليَّةِ؟
وكَيفَ تَستعِيدُ زِمَامَ أَمرِهَا مرَّةً ثَانيةً؟"
وقَد أَقرَّتْ إِحدَى أشهرِ النَّاشِطَاتِ النسويَّات، الأمريكيةُ جلوريا ستاينم "Gloria Steinem"
في مُقابَلةٍ مَنشُورةٍ دُونَ تَحرُّجٍ
أنَّها تَلقَّتْ دَعمًا مَاليًّا مِن وَكالةِ الاستِخبَاراتِ المركزيَّة الأَمرِيكيَّةِ
سي آي إيه "CIA" لدَعمِ نَشاطاتِهَا،
انتقَدَها بَعضُ النَّسوِيَّاتِ أنَّها تَحرِفُ مَسارَ الحرَكةِ النَّسوِيَّةِ
فَخرجَتْ في هذهِ المُقابلةِ مُبرِّرَةً فِعلَها،
ستايْنم هَذهِ كَانتْ مِنَ المُؤسِّساتِ لمجَلَّةِ مِس مَغازِين "Ms. Magasine"
التِي تُصدِّرُ فِكرَةَ المرأةِ المُتحدِّيَةِ المُستقِلَّةِ المرأة الخارقة "Super Woman"،
وكَانتْ تُشرِفُ عَلى مَركزِ خَدمَاتِ الأَبحاثِ المُستقلَّةِ
إندبندنت ريسيرش سيرفيسز "Independent Research Services"،
لاحِظْ "الأبْحاثُ المُسْتقِلَّةُ"، معَ أنَّهَا تَتلقَّى دَعمًا مِن جِهَاتٍ سِيَاسيَّةٍ،
ما الذِي استفَادهُ السَّاسةُ وأصحابُ رُؤوسِ الأموالِ
فِي أَمرِيكا، وأُوروبَّا مِن رُكُوبِ مَوجةِ النَّسوِيَّةِ وتَحريرِ المرأةِ؟
أوَّلًا، عَملُ المرْأةِ لتُثبتَ نَفسَها وتُحقِّقَ استِقلَالَها؛
يَعني تَحصيلَ ضَرائِبَ عنْ نِصفِ المُجتمعِ الذِي كَانَ يَعملُ فِي البُيُوتِ عَمَلًا لَا ضَرائِبَ عليهِ
وستُشَكِّلُ عَمالَةً أَرخَصَ مِنَ الرِّجَالِ،
ولَازَالَ التَّفريقُ في الأُجُورِ والتَّرقِيَاتِ قَائِمًا حَتَّى اليَومِ
ثمَّ هَذهِ المَرأةُ التِي سَتخرُجُ لِلأَجوَاءِ المُختَلطَةِ
أَصبَحَتْ تَصرِفُ مَالهَا على التَّجمِيليَّاتِ والمُبَاهاةِ والمُنافَساتِ المَادِّيَّةِ،
وهَذا بِدَورهِ يَصُبُّ فِي صَالِحِ المَادِّيَّةِ الرَّأْسمَاليَّةِ
ثَانيًا، سِياسةُ فَرِّق تَسُدْ، وتَعزِيزُ الفَردِيَّةِ والفِئَويَّةِ،
بِحيثُ تَكونُ الدَّولَةُ -أو بالأَصَحِّ مَن يَرسُمُ سِيَاساتِهَا- هُمُ الحَكَمَ بَينَ الأَفرادِ في خِلَافَاتِهِم
مِمَّا يُضعِفُ التَّوَجُّهاتِ المُطَالِبةَ بِالحَدِّ مِن جَشَعِ وَتَسلُّطِ أصحَابِ رُؤوسِ الأموالِ في هَذا العَالَمِ
الذِي يَمتَلِكُ 1% منهُ أَكثرَ مِن نِصفِ ثَروَتِهِ حَسبَ مَقالٍ في الجَارديَانِ البرِيطَانيَّةِ،
وقَد بيَّنَ كتابُ ذا مايتي وورلتزر "The Mighty Wurlitzer"
اتِّبَاعَ السَّاسَةِ لهذهِ الطَّرِيقةِ فِي اختِراقِ الفِئَاتِ، كَالنِّساءِ والسُّودِ
ثالثًا، النِّدِّيَّةُ بَينَ الأُمِّ والأَبِ وانشِغَالُهُمَا عنِ الأَبناءِ؛
يَعنِي تَفتِيتَ الأُسرةِ وفُقدَانَها لِدَورِها المركزِيِّ في تَربيَةِ الأبناءِ على مَا يَعتَقدُهُ الوَالِدانِ،
وبالتَّالِي يُصبِحُ المُرَبِّي هُو المَدرَسةُ، والدَّولَةُ،
ويُملِي المُتَحكِّمُونَ فِي سِياساتِها مَا شَاؤوا مِن التَّوَجُّهَاتِ عَلى هَذهِ القُلوبِ الصَّغِيرَةِ
وَقد شَاعَ في أَمرِيكَا مُصطلحُ "العَائلَةُ النَّووِيَّةُ تَمَّ تَذوِيبُهَا"،
وَقدِ استَفادَ السَّاسَةُ فِي ذَلكَ مِن مُعَاداةِ النَّسوِيَّةِ لِكِيَانِ الأُسرةِ،
تَقُولُ النَّسوِيَّةُ ماري بين "Mary Bane":
"حتَّى نُنْشِئ الأَبْناءَ بالتَّسَاوِي بينَ الجِنسَينِ
عَلينَا أنْ نَأخُذَهم بَعيدًا عنِ العَوائِلِ، ونُرَبِّيَهُم تَربيَةً مُجتمعِيَّةً"
وَبالفِعلِ تَفَكَّكَتْ كَثيرٌ منَ الأُسرِ،
ووَصلَتْ نِسَبُ الأَولادِ المُشَرَّدِينَ فِي أَمرِيكَا أَرقامًا تَارِيخيَّةً،
كَمَا فِي تَقرِيرٍ نَشرَتهُ صَحِيفَةُ النيوزْوِيك "Newsweek"
حَيثُ فِي عَامِ 2013 مثلًا عَانَى 2.5 مِليُونَ طِفلٍ منَ التَّشرُّدِ،
بَعضُ هَؤلَاءِ الأطفالِ هَارِبُونَ مِن بيُوتِهمُ المُفكَّكَةِ،
الأَبُ مَشغُولٌ، والأُمُّ مَشغُولةٌ، أَو مُتخاصِمانِ مُتَصارِعانِ،
وَالابنُ أوِ البِنتُ لَا أَحدَ يَهتمُّ بهِ، أَو تُسَاءُ مُعامَلتُهُ؛ فَيهرُبُ أوْ تَهرُبُ،
وهُناكَ قِسمٌ مُخصَّصٌ مِن وِزَارةِ العَدلِ الأمرِيكيَّةِ
لِظَاهِرَةِ الأولَادِ والبَناتِ الهَارِبِينَ "Children or Ran Away Youth"
هؤُلاءِ الأَولادُ والبَناتُ -بِلَا مَأوى- يَتفشَّى فِيهِم بِشكلٍ كَبيرٍ؛ المخَدِّراتُ، والأَمراضُ النَّفسيَّةُ،
والتَّعرُّضُ لِلإهَانةِ، والاستِغلالِ الجِنسيِّ،
حيْثُ يَبِيعُ بَعضُهم نَفسَهُ للمُمَارساتِ الجِنسيَّةِ مُقابِلَ المَأوَى، والأَرقامُ فِي تَصاعُدٍ مُستَمِرٍّ
ماذا عن المرأة؟ والتي استُخدِمَت كأداةٍ للسَّاسة وأصحابِ رؤوسِ الأموال في تحقيق هذا كلِّه.
هل حصَّلتْ لنفسها حقًّا، أو عدلًا كما كان ينبغي أن تكون مطالباتُها؟
بل هل حقَّقت حُرِّيَّةً ومساواةً كما كانت تتمنَّى؟
تعالوا الآن نرى قصَّتها بحقائقَ وإحصائياتٍ من كبار المواقعِ الغربيةِ،
وأظنكُّم -إخواني وأخواتي- ستُصدمُون بما ستسمعون اليومَ.
لكن، قبل أن نُتابِع ،
بعضُ مَن يسمعُ هذا الكلامَ يتأهَّب ويستعدُّ ليقولَ: طيِّب ما المسلمين برضو عندَهم ظُلم للمرأة،
أنتَ تنكرُ أنَّ مجتمعاتنا فيها قصصٌ كثيرةٌ من الظُّلم للمرأة؟!
أقولُ لك: وما علاقةُ سؤالِك بموضوعِنا؟ ما الفائدةُ مِن هذه المقارنةِ؟
هل الهدفُ مِن كلمتي هذه هو إجراءُ مقارَنةٍ إحصائيَّة بين مجتمعاتِنا ومجتمعاتِهم؟
أم هل الهدفُ تبرئةُ الرجالِ في مجتمعاتنا من أيِّ ظلمٍ للمرأة؟
بل نحن نُدرِك تمامًا أن مجتمعاتنا مليئةٌ بأشكالِ الظلم للمرأة ولغيرِها،
ويَتزايدُ فيها الشقاءُ للرجل وللمرأة،
وإنما نَطرُق هذا الموضوعَ؛ للمساهمة في رفعِ هذا الظُّلمِ، وإيقاف البؤسِ والشَّقاء.
الدُّول الغربيَّة والمنظَّمات الدَّولِيَّة والأُمميَّة تَعرِضُ خدماتِها
لمساعدةِ المرأة المسلمة على طريقتِهم الخاصَّة.
والأفكارُ النَّسَوِيَّة ألقت بظلالها بقوة على مجتمعات المسلمين؛
لذلك فموضوع كلمة اليوم هو تحديدًا عَرضُ قصَّة المرأة الغربيَّة؛
لنرى هل هؤلاء الذين يَعرِضون خدماتهم حَلُّوا مشكلة المرأة لديهم بالفعل؟
هل حقَّقوا لها العدلَ؟ بل هل حقَّقوا لها الحريَّةَ والمساواةَ؟
هل هم يُريدون خيرًا للمرأة المسلمة بالفعل؟
هذا الطريق الذي يريدون وضع قَدَمِ المرأةِ المسلمةِ والمجتمعات المسلمة عليه؛
ما نهاياتُه؟
لذلك -يا كرام ويا كريمات- دعونا نعرض القصَّة دونَ تقطيعٍ،
دون ما أضطرّ كل شويَّة أقول لكم:
أودُّ التَّأكيد على أنَّ الظُّلم الحاصل في بلادنا لا يُمثِّلُ الإسلامَ،
لا تظنُّوا أنِّي ضدَّ عَمَلِ المرأة بكافَّة أشكالِه.
أرجو ألَّا تُسيؤُوا فَهمي بكذا وكذا.
دعونا من حالة الدِّفاع الَّتي يضعُنا عدوُّنا فيها دائمًا
ولْنَتَعاون كمسلمين ومسلماتٍ، إخوةً وأخواتٍ، على تشخيص المشكلةِ
وتمييز الحلِّ الحقيقيِّ من الحُلولِ الزَّائفة الَّتي لا تزيدُنا إلَّا بُؤسًا وشقاءً.
إذن، المرأةُ الغربيَّةُ
تَعالَوا نُرافقُها مَحطَّةً مَحطَّةً.
الفتاةُ المشرَّدةُ في الشَّارع أو في بيت أهلِها لكنَّها مُستقلَّة ، وتُريد أنْ تصرفَ على نفسِها،
أو لم يَعُدْ معها ما يكفي لمتابعة الدِّراسة في الجامعة. ما الحل؟!
هناك ظاهرةٌ في بلاد الحريَّة نتورَّعُ عن ذكر اسمِها
تبيعُ فيها هذه الفتاةُ المحتاجَةُ للمال عِرْضَها لرجلٍ يَكبُرُها سنًّا - في سنِّ والدِها -،
فيستأجِرُها جِنسيًّا ويصطحبُها معه كجزءٍ من ديكوره، مُقابِلَ مبلغٍ من المال.
يعني تعمل (بالإنجليزية): عملًا جزئيًا في البِغاء، وتبقى طالبةً في الجامعة.
هذه مقابلةٌ مع أحد المشترين لِعِرض ستةٍ مِن الفتيات بمالِه، وانظروا قِيمةَ المرأةِ عندَه.
[تومي كان يعمل إداريًّا في مجال تقنية المعلومات،
وقد تقاعدَ، ومعه ما يكفي لأن يَصرِف مبلغ 150 ألف دولار سنويًا على أولئك الفتيات،
هو يقول أنَّ ذلك أرخص من الزَّواج، وأنَّه مبلغ ضئيلُ مقارنةً بما يحصل عليه هو]
(بالإنجليزية): [حينما تدخل إلى غرفتك وبرفقتك امرأة جميلة
فإن ذلك يُعتبر إطراءً لك أنت كرجل.
إنَّه مثْلُ أن تَحضُر بسيارة فارهة، أو شيءٍ من هذا القَبِيل.
إذن يقول هذا المستأجِر أنَّ الاستمتاعَ بعددٍ من الفتيات بهذه الطَّريقة أرخصُ من الزَّواج،
وأنَّ الدُّخولَ على مكانٍ بفتاةٍ جميلة هو مثل أن تظهر بسيارة جميلة.
هذه قيمةُ المرأة عنده.
أصبحَ هناك عدد من مواقع الـ (بلإنجليزية) "المواقع اللإلكترونية"
لإتمام هذا النَّوع من الِخدمة.
وإحصائيَّات تفصيليَّة عن دَخْلِ الفتيات من هذا التأجير للأَعْرَاضِ،
وعن أعمارِ وطبيعة أعمال الذُّكور المشترين للأعراض،
وكيف أنَّ نسبةً كبيرةً من مُشتري الأعراضِ هؤلاء
هم من القيادييِّن في شركات كُبرى ومن رجال الأعمال.
بالمناسبة، لعلَّكم أُصِبتم بالاشمئزازِ وأنتم تسمَعون هذا الشَّخصَ
الَّذي يتكلَّم عن النِّساء كسلعةٍ جنسيَّة جُزء من ديكوره، كشيء "Thing"
وليس كإنسانة "Human".
لكن ماذا إذا علِمتم أن التَّعامل مع المرأة كشيءٍ، أو سلعةٍ، أصبحَ هو الأصل في الغرب؟
في بحثٍ منشورٍ سُئِل عددٌ من الأمريكان عن الصِّفة التي يقدِّرونها أكثرَ شيءٍ في الرِّجالِ والنِّساءِ،
فجاءت الأمانةُ والأخلاقُ على رأس القائمة بالنِّسبة للرِّجال،
بينما في حالةِ النِّساءِ
كانت الصِّفة الأهمّ الَّتي يُقدِّرُها الشَّعبُ الأمريكي
هي (Physical Attractivness) "الجاذبيَّةُ الجسميَّةُ".
إذن تقديرُ المرأة مَرهونٌ بجاذبيَّتها الجسميَّة
وهذا يقود إلى ظاهرة ٍمُهمَّة يسمُّونَها: (Sexual objectification of women)
يعني "التَّسليع الجنسيّ للنِّساء".
التَّعامل مع المرأة على أنَّها شيء للاستعمال،
سِلعة جنسيَّة،
لا إنسانةٌ، تُقيَّمُ بإيمانها، وأخلاقها وأمانتها، ولا حتى بذكائِها ومهاراتِها.
هذا بحثٌ في الموضوع تمَّت الإحالةُ إليه مئات المرَّات،
وهناك عشرات الأبحاث العلميَّة المنشورة عن هذا الموضوع،
عن: (بالإنجليزية) (التَّسليع الجنسيّ للمرأة)
وهذه الأبحاث بالمناسبة - إخواني - لا تتحدَّثُ عن تسليع المرأة كظاهرةٍ خبيثة،
لا إنسانيَّة، يجب محاربتُها،
بل كظاهرةٍ تُدرَسُ عِلميًّا لتحليل آثارها النَّفسيَّة بحياديَّة.
تذكر هذه الأبحاث أنَّ عامَّة النِّساء أصبَحن يَرينَ أنفسَهنَّ كَسِلَعٍ جنسيَّةٍ للرِّجال،
وأنَّ الإعلام يُكرِّسُ هذه النَّظرةَ،
والمجتمعُ يُكرِّسُها،
وحتى (بالإنجليزية) ألعاب الفيديو تُكرِّسُها،
وأنّ أجسادَ النِّساءِ تُعرَضُ للدِّعاية وكَديكور،
وأنَّ هذا يُؤدِّي إلى العِناية المفرِطَة مِن بعض النِّساءِ بأشكالهنَّ،
وإمضاء أوقاتٍ طويلةٍ أمامَ المِرآة
ويُؤدِّي إلى أمراضٍ نفسيَّة لدى بعضهنَّ بالإصابَة بالِخزي من أجسادهنَّ (Body shame)،
خِزيٌ لأنَّها تُعامَل كسِلعةٍ جنسيَّة وهي كارهةٌ لذلك،
أو خِزيٌ لأنَّها ليست جذَّابةً في مجتمعٍ يُقيِّمُها بحسب الجاذبيَّة.
وتذكر الأبحاث أنَّ بعضَ النِّساء يتعرَّضنَ لأمراضٍ نفسيَّةٍ بسبب ذلك،
ويُقارِنَّ أنفسَهنَّ بالمرأة الدِّعائِيَّة (النَّمطيَّّة) الـ " Typical"؛
فيّقمنَ بعمليَّات ٍتجميليَّة (Plastic surgery) أو يستخدمنَ أدواتٍٍ تجميليَّة
لتغيير لون الشَّعرِ، أو الجِلْد، أو العَينين.
لكم أن تتصوَّروا الآن هذه الفتاة الحُرَّةَ التي تُريدُ أن تُثبِتَ نفسَها،
والَّتي يراها المجتمعُ سِلعةً جنسيَّة، ويُقيِّمُها بحسب جاذبيتها الجسميَّة.
لكم أن تتصوَّروا ما الَّذي ستتعرَّضُ له
في الشَّارِع،