×

Nous utilisons des cookies pour rendre LingQ meilleur. En visitant le site vous acceptez nos Politique des cookies.


image

سلسلة المرأة, الإسلام وضرب المرأة (1)

الإسلام وضرب المرأة (1)

بيتر وجولي، كانا يعيشان مع بعضهما

حياةً سعيدة،

لكنَّ طِبَاع جولي بدأت تتغير مؤخرًا،

أصبحت تتعامل مع بيتر بعصبية،

استوعبها بيتر وقدَّرَ أنها قد تكون

انفعالاتٍ نفسيةً مؤقتةً،

لكنَّ جولي استمرت في عصبيتها،

وأصبحت تتعامل مع بيتر بقلة احترام؛

تتعمد إفساد علاقتهما دون سبب.

كلمها بيتر بعطفٍ،

وذكَّرها بالأيام الجميلة بينهما،

لكنَّ تعامل جولي ازداد حدةً،

تجنبها بيتر

وأصبح يتعامل معها بشيءٍ من الجفاء

لتعود إلى صوابها.

لكنَّ تعامل جولي ازداد سوءًا،

وأصبحت تلاحق بيتر تصرخ في وجهه:

(بالإنجليزية) أنا أكرهك، لن أستمع إليك،

(بالإنجليزية) أنت لا تعني شيئًا بالنسبة لي.

لم تُعطِه فرصة ليتجنبها،

وأصبحت حياتهما في خطر.

تمالك بيتر نفسه؛

حتى لا يتصرف هو أيضًا بعصبية،

فهو يحب جولي،

ولا يريد أن تنتهي علاقتهما،

يريد فقط أن يوقظها من تمردها هذا.

وبينما هو ضابط لأعصابه وجولي تصرخ به،

ضرب بيتر بيديه على ساعديها،

هزها وقال لها: (بالإنجليزية) هذا يكفي

(بالإنجليزية) جولي، توقفي أرجوكِ هذا يكفي.

هنا بكت جولي، وألقت بنفسها على بيتر،

فهدَّأها ومسح دمعتها.

هدأت جولي بعدها

وعادا إلى حياتهما السعيدة.

المشهد الرومانسي لبيتر وجولي

هو في الحقيقة المشهد الشرعيُّ في الحالات الاضطرارية في الإسلام،

كحلٍّ استثنائي لما يمكن أن ينشأ

في بعض الأسر،

والمشهد المرعب لأبو زعبل وفتحية

هو المشهد الَّذي يحصل حقيقة في الغرب

خارج أسوار هوليوود،

وهو الذي تؤدي إليه العلاقات

الغرامية المحرمة.

لكن لما يكون الإسلام مش مطبق

على مستوى الدول،

ومش مطبق على مستوى عامة المسلمين،

ولما يشتغل شياطين الإنس والجن ليلَ نهار

في تشويه الإسلام وتزيين الجاهلية الحديثة،

فإن المفاهيم تنقلب،

والصور الذِّهنية تصبح معكوسةً تمامًا.

نحن هنا اليوم لنوقظ المسلمين

أزواجًا وزوجاتٍ،

لا لندافع عن ممارسات منحرفة لدى المسلمين،

ولا لنقارن أخلاق المسلمين

بأخلاق الأمم الأخرى.

مع أننا لو أجرينا هذه المقارنة

على كل ما فينا،

مش حيطلعوا أحسن منا بالمناسبة.

لكن، مع ذلك نحن هنا اليوم لنرسم معًا

المسطرة الإسلامية الصحيحة،

لنرى جمال ديننا. فلما نجي نحل مشاكلنا،

منروحش نحلها بتقليد الغرب أو الشرق،

بل بالرُّجوع لكلام ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-.

تعالوا -إخواني وأخواتي- نعملْ

فرمتة لنفسياتنا،

نتخلص من أي صورة ذهنية متراكمة ومسربة

لعقلنا الباطن عبر السنوات من الإعلام

والتطبيقات السيئة في مجتمعاتنا،

ومن الأفلام والأغاني غير الواقعية.

ونرى معًا ما هو الإسلام،

وما هي الجاهلية فيما يتعلق

بمسألة ضرب المرأة.

مسطرة الإسلام محفوظة في الآيات والأحاديث،

عنها سنتكلم لا عن المسلمين

الَّذين انحرفوا عن المسطرة.

في الإسلام ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء:19]

ربك يأمرك أن تحسن إلى زوجتك

وتعاشرها بالمعروف.

كيف يعني بالمعروف؟

تروح تسأل أمنا عائشة -رضي الله عنها-

الَّتي قالت في زوجها -صلى الله عليه وسلم-

كان خُلُقه القرآن.

اسألها عن اللفتات الجميلة

التي ملأت حياتهما،

والَّتي ذكرنا العشرات منها في حلقة

(ندى تشتكي لعائشة)

إنك تُؤكِّل زوجتك بيدك هذا من السنة،

قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-:

(وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إلى في امْرَأَتِكَ) (صحيح البخاري)

يعني: إلى فم امرأتك.

إنك تشرب مع زوجتك من نفس الكبَّاية،

هذا قريب مما كان يفعله نبيك

-صلى الله عليه وسلم-

لما كانت عائشة تشرب وهي حائض

فيتناول النَّبيَُ الكأس،

ويضع فمه موضع فمها ويشرب،

جفاف العلاقات الأسرية ليس من الإسلام،

التَّصحر الَّذي يعيشه كثير من الأزواج

ليس من الإسلام،

فياليت لما تقارن،

تقارن الإسلام كما في القرآن والسنة

مش المسلمين.

في الإسلام ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة : 228]

لكِ على زوجك مثل الَّذي له عليك،

لازم يتجملك ويراعي مشاعرك،

وما يخونكش مثل ما هو متوقع منك أيضًا تمامًا.

هذا هو الأصل في العلاقات الزوجية.

طيب، امرأةٌ ما تصرفت بأسلوبٍ سيء،

يروح الإسلام يُذكِّر الزَّوج

أن يحفظ الود ويطول باله

﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ

فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا

وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19]

تمادت المرأة وعمال بتهدِّم بيتها.

ما الَّذي تريدينه يا بنت النَّاس؟ لا أريدك.

طيب، اختلعي منه.

أرجعي له مهره أو جزءًا منه وانفصلا،

فالزَّواج ليس سجنًا لا مهرب منه.

هِيَّ لا تريد الخلع ومع ذلك

مصِرَّة تخلي الحياة صعبة.

أمام الزوج خيار التَّطليق.

الطَّلاق الواعي الَّذي له شروطٌ تفصيلية

كحل لا كانتقام،

وحتى الطَّلاق لازم يكون طلاقًا بإحسان،

﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة : 229]

يعني التَّعامل مع المرأة دائرٌ بين

المعروف والإحسان،

﴿فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب : 49]

الإسلام جميل في كل شيء

حتَّى في أوقات الخصومة،

حتَّى لو ظلمتك وأساءت إليك.

فهذه العلاقة تنهيها بإحسان وبجمال،

مش زي الخيبات الكثيرة المنتشرة

بين المسلمين للأسف.

من التَّفنن في الفجور في الطَّلاق

من الزَّوجين وعائلتيهما.

طيب، الزَّوج مش هاين عليه ينهي هذه العلاقة

يسمع قول ربنا عز وجل:

﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة : 239]

وحافظ لزوجته الذَّكريات الحلوة،

وخايف على الأولاد وتشتتهم،

وخايف على زوجته نفسها أنها تندم

بعد ما تخرب بيتها بإيديها.

تيجي الحلول الإسلامية هنا.

﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ﴾ [النساء : 34]

هذا هو الأصل.

هذه هي الحياة الزَّوجية العادية في الإسلام،

ست محترمة صالحة تحفظ نفسها وبيتها

في غيبة زوجها.

أيوا لكن هناك دائما حالات شاذة

﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء : 34]

هناك نشوز يُخاف من عواقبه؛

تمرد وأذية وعدم احترام لكيان الأسرة،

ما الحل؟

﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء : 34]

ما شفتوش بيتر لما كان بيعاتب جولي؟

فالزوج يعظ زوجته ويذكرها بحق الله

وبآثار تمرُّدها هذا على الجميع.

﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ [النساء : 34]

ما فيش علاقة زوجية على شان يجتنب نكدها،

ويقصر الشَّر،

ولأنه مضطر يوريها نوع من الجفاء.

إذا لم ينفع هذا كله فما العمل؟

﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء : 34]

ضرب انتقام وفش غل؟! لأ، حرام بالإجماع؛

لأنه حتى الضرب له ضوابطه وآدابه

وإحسانه وجماله كما في الطلاق.

ألم تسمع قول نبيك -صلى الله عليه وسلم-:

(إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ) (صحيح مسلم)

على كل شيء بما في ذلك الضرب الاضطراري.

ألم تسمع إلى قول نبيك:

(ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه ،

ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه) ( صحيح الجامع)،

فحتَّى الضرب الاضطراري لازم يكون ضربًا رفيقًا،

طيب، كيف يعني آداب الضرب الجميل

المحسن الرَّفيق؟

بدايةً ستجد في سيرة النَّبِّي العملية

عشرات الشواهد عن اللفتات اللطيفة

في المعاملة.

لكن، لن تجد كيفية ضرب الزَّوجة لأنه

-صلى الله عليه وسلم-

كما قالت زوجته عائشة: (ما ضرَبَ رسولُ اللهِ

-صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بيَدِه امْرَأةً له قَطُّ،

ولا خادِمًا، ولا ضرَبَ بيَدِه شَيئًا قَطُّ

إلَّا أنْ يُجاهِدَ في سَبيلِ اللهِ) (صحيح - تخريج المسند)

لكنَّه -صلى الله عليه وسلم- حدَّ حدودًا

في هذا الضَّرب يحرم تجاوزها.

طبعًا الكتاكيت الحلوين الغربيين

البيترات الحقيقيين

والمسلمون الهاجرون لدينهم (أبو زعبلات)،

أول ما ينشأ خلاف يروح ضارب الوجه على طول،

كف مُهين يرن في أذنها.

ممنوع شرعًا الاقتراب من الوجه،

قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: ( ولا تضرب الوجه

ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت) (الصحيح المسند-صححه الوداعي وأحمد شاكر)،

الوجه محل تكريم وأنت لا تريد أن تهينها،

بل أن تضع لها حدًا وتوقظها من خطئها.

ولا تقبِّح يعني: ممنوع تقول لها قبحك الله،

يعني الله يجعلك بشعة

لأ، حرام، فينك يا رسول الله..

لو رأيت مش بس قبحك الله

بل السَّب والكلام المهين،

وهذا حرامٌ طبعًا من بابِ أولى.

فما بالك بمن يسب أهلها وأهل أهلها

والخيبات الثقيلة الي تحصل

والَّتي الإسلام منها براء.

فالضَّرب الَّذي في الآية ليس ضرب

إنسان خارجٍ عن طوره،

بل ضرب رجلٍ متَّزنٍ حكيمٍ ضابطٍ لأعصابه

يضعُ حدًا للخطأ بهذا الضرب.

قال نبينا: (ولا تهجر إلا في البيت) (الصحيح المسند-صححه الوداعي وأحمد شاكر)

يعني: لا يجوز لك أن تعاقبها بترك البيت.

طيب هي بتعمل نكد ومش تاركتني في حالي...

حتَّى ولو، هناك خيارات أخرى تدفن المشكلة.

أما خيار الهجران خارج البيت

فيحدث لزوجتك وحشة وتزيد الجفوة بينكما.

طيِّب، هل الضَّرب مسموحٌ يكون موجع علشان يؤدبها؟

لأه، أبدًا؛ قال نبيُّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

(إلَّا أنْ يأتين بفاحشةٍ مبيِّنةٍ فإن فعلْنَ

فاهْجُرُوهنَّ في المضاجع واضْربوهنَّ ضرْبًا غير مبرِّحٍ،

فإنْ أطَعْنَكُمْ فلا تَبْغوا عليهنَّ سبيلًا) (الترمذي - حسن صحيح)

إذن، على الوجه ممنوعٌ، مع سِبابٍ وشتائمٍ ممنوعٌ، ضربٌ موجعٌ ممنوعٌ،

في حالة ثوران الزَّوج وعدم سيطرتِه ممنوعٌ،

ماذا بَقيَ إذن؟ بقي مثلُ ضرب بيتر لجولي.

طيِّب، هذا الضَّرب ما المقصود منه؟

ما دام مش للتَّشفِّي ولا للانتقام؟

مطلوبٌ منه أنْ تعود إلى رُشدها وتكفَّ عن تمرُّدها.

طيِّب، إذا حصل هذا المقصود،

هل يجوز للزَّوج أن يستمرَّ

ولو بخبطةٍ على السَّاعدين كخبطة بيتر؟

لأ، طبعًا، لأنَّه حصل المقصود:

﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيْلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34]

بمجرَّد أنْ يْحصُلَ المقصودُ ممنوعٌ تمدُّ إيدَك عليها

وتذكَّر أنَّ الله عليٌ كبيرٌ،

قادرٌ على أن يقتصَّ لها منك في الدُّنيا أو في الآخرة

وتعود الأمور بعد ذلك إلى المعروف

والإحسان، وحسن العشرة واللَّفتات اللَّطيفة

التي علَّمنا إيَّاها رسول الرِّفق محمَّد -صلى الله عليه وسلم-.

هذا هو الكلام الَّذي دلَّت عليه أدلَّة القرآن والسُّنة.

طيِّب، هل فهِم العلماء المسلمون في القرون السَّابقة مثلَ هذا الفهم؟

أنا كان ممكن آتيك بأقوالٍ لعلماءٍ معتبرين -لكنها لا تمثِّل عامَّة العلماء-

كلامًا رجَّحوا فيه في المحصِّلة تحريمَ الضَّرب،

أو السَّماحَ به في بيئاتٍ اجتماعيَّةٍ دون بيئاتٍ أخرى،

لكن ليس من منهجِنا أنْ نأتيَ بأقوالٍ

تُوافِقُ أهواءَ النَّاس وكأنَّنا نخبِّىء عنهم شيئًا،

وإنَّما سنذكرُ لكَ هنا بعضَ أقوال العلماء

التي نراها تمثِّل عامَّتهم؛

أقوالِ فقهاء لمذاهب معتَبَرين.

قال ابنُ شاس من -فقهاء المالكيَّة-

في (عقد الجواهر):

"فإن غلب على ظنِّه أنَّها لا تتركُ النُّشوزَ

إلَّا بضربٍ مُخَوِّفٍ لم يَجُزْ تعزيرُها أصلًا"؛

"لمْ يَجُزْ تعزيرُها أصلًا" يعني:

إذا كان لا ينفعُ معها إلَّا الضَّربُ المخيفُ

لمْ يَجُزْ للزَّوج أن يعاقبَها؛

لا بضربٍ مخيفٍ ولا بضربٍ أقلَّ منه،

لأنَّ المسألة ليست مسألة عقابٍ ولا فَشِّة غُلّ

وإنَّما تأديبٌ للمخطئ،

إذا مش حَتِتْأَدَّب إذن لا فائدةَ من الضرب؛ فلا يَضْرب.

طيِّب، وما الحل؟ هناك خياراتٌ أخرى:

﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ [النِّساء: 35]

هناك الطَّلاق، الخُلْعُ، لكن الضَّرب؟ لأَّه،

ما دام الضَّرب الشَّرعيُّ لن يفيد.

وقال ابنُ عرفة -من المالكيَّة- في (الشَّرح الكبير):

"فإن جزم أو ظنَّ عدمها -أي عدم إفادة الهجر-

"ضربها إنْ جزم بالإفادة أو ظنَّها، لا إن شكَّ فيها".

يعني الضَّرب إذا غلب على ظنِّه أو تأكَّد أنَّه نافعٌ، لا إذا شكَّ أنَّه نافعٌ،

هذا من مذهب المالكية.

أمَّا من الحنابلة فقال البُهوتي في (كشف القناع):

"والأَوْلى تركُ ضربِها إبقاءً للمودَّة"

يعني: حتَّى وإن استحقَّت الضَّرب فالأولى تركُ الضَّرب.

من الشَّافعيَّة قال ابن حَجَر الهيثميُّ في (تحفة المحتاج):

"أمَّا إذا علم أنَّه لا يُفيد فيحرُم".

يعني الكلام كلُّه -يا إخواننَا-

عن ضربٍ واعٍ تربويٍّ

له مقصدٌ واحدٌ: تصحيحُ الخطأ،

والحفاظُ على هذا البيت والعلاقةِ بين الزَّوجين.

طيِّب، ماذا إذا كانت الزَّوجة تخلُّ

لا بحقِّ الزَّوج فحسب، بل وبحقِّ الله -تعالى-؟

"سألَ ابنُ هانئٍ الإمامَ أحمدَ بنَ حنبلٍ عن الرَّجل

له امرأةٌ لا تُصلِّي هل يضرِبُها؟

فقال الإمامُ أحمد: نعم، يضرِبُها ضرْبًا رفيقًا

غيرَ مُبرِّحٍ؛ لعلَّها ترجِع".

هذا مع أنَّ الزَّوج يريد أنْ يُلزمَها بحقِّ الله

بلْ وَبِأَهَمّ أركان الإسلام: الصلاة.

ستقول هنا: بيتر مين وجولي مين يا عم؟!

الواقعُ غيرُ ذلك تمامًا؛

كثيرٌ من الأزواج يضربون ضرب أبو زعبل!

فأقول لك للمرَّة الألف: الواقعُ غيرُ ذلك

لِخَيْبَة كثيرٍ من المسلمين وبعدِهم عن دينهم،

لا لأنَّ الشَّريعةَ أمَرَتهم بهذا الضَّرب.

ستقول: لكنَّ سماحَ الشَّريعةِ بالضَّرب

سيؤدِّي بالتَّأكيد لسوءِ استخدامِ هذا التَّشريعِ من الأزواج.

فأقول لك: ضربُ المرأة انتشر

في الماضي والحاضر،

في الجاهليَّات القديمة والحديثة،

وفي الغرب والشرق،

وفي أكثر المجتمعات تقدُّمًا ماديًّا وأقلِّها تقدُّمًا،

وبِنَسَبٍ مخيفةٍ، وأشكالٍ بشعةٍ.

لكنَّ الإسلامَ جاءَ فحرَّمَ هذا الضربَ أصالةً،

وحصَرَهُ في حالاتٍ اضْطراريَّةٍ

وغيَّرَ دوافعَهُ في هذه الحالات؛

غيَّرها من الانتقام والتَّشفِّي، والعدوانِ والتَّنمُّر

إلى التَّأديب والحفاظِ على العلاقة.

والإسلام جعل الضَّربَ للزَّوجة المتمرِّدةِ المخطئةِ حَصْرًا.

وحتَّى في هذه الحالة وَضَعَ لَهُ آدابًا

ليجعله ضربَ رفقٍ وإحسانٍ كضرب بيتر لجولي.

طيِّب، ليه يضربها أصلًا؟ يطلِّقها وخلاص!

هذا -يا حبيبي- لمَّا يكون في استهانةٌ بكيان الأسرة، كما تدعو الجاهليَّةُ الحديثة

الَّتي تسعى لتخريب البيوت وتدمير الأسر

وتربية الأولاد على ما يريده النَّظام الدَّولي

ومن ثَمَّ قضاء الشَّهوات بالزِّنا والشُّذوذ.

يعني قصدك تقول إنُّه معلش، خلِّي الزوجة تتحمَّل

حتَّى لو تجاوز زوجها هذه الآدابَ كلَّها؛

وضربها على وجهها وسبَّها ، وأوجعها وسبَّ أهلَها،

يِرُوح حقُّ المرأة خلاص؟! ونقول لها لكِ الآخرة والجنَّة؟!

نقول لك يا صديقي: لا، لن يضيعَ حقُّها

لا في الدنيا ولا في الآخرة في النِّظام الإسلاميُّ،

بل الإسلام يوفِّرُ الحلولَ لهذه الحالات.

الإسلام لمْ يترُك المسألةَ لتَقوى الزَّوجِ فقط،

بل إذا أساءَ بعضُ الأزواج التَّطبيقَ لهذا الضَّرب

فإنَّهم يعاقَبون بسلطةِ الشَّريعة أيضًا.

فسوء التَّطبيق لا يَطعنُ في الحكم الشَّرعيِّ نفسِه من إباحة الضرب،

إذا طبيبٌ أهملَ فأضرَّ بمرضاه فلا نقول أنَّ الطِّبَّ كلَّه خطأٌ،

وإنَّما يُعاقَبُ هذا الطَّبيبُ على إهمالِه

ويبقى الطِّبُّ على أصلِه.

قال ابنُ حزمٍ في (المُحلَّى):

"فصَحَّ أنَّه إنْ اعتدى عليها بغير حقٍ فالقِصاصُ عليه".

قصاصٌ، يعني: يُقتصُّ من الزَّوج

ويُضرَبُ كما ضرَب زوجتَه تمامًا.

وقال أحمد الدَّرديريُّ المالكيُّ في (الشَّرح الكبير):

"ولا يجوزُ الضَّربُ المبرِّح

ولو علم أنَّها لا تترك النُّشوزَ إلَّا به،

فإنْ وقَع فلها التَّطليقُ عليه والقِصاصُ".

الكلام عن مَن؟ عن امرأةٍ ناشزٍ متمرِّدةٍ مسيئةٍ،

ومع ذلك لا يجوز له أن يضربها ضربًا مبرِّحًا بدعوى تأديبها،

وإذا فعل تلجأُ للقضاءِ الإسلاميِّ في الدَّولةِ المسلمة.

الإسلام وضرب المرأة (1) Islam and the beating of women (1)

بيتر وجولي، كانا يعيشان مع بعضهما

حياةً سعيدة،

لكنَّ طِبَاع جولي بدأت تتغير مؤخرًا،

أصبحت تتعامل مع بيتر بعصبية،

استوعبها بيتر وقدَّرَ أنها قد تكون

انفعالاتٍ نفسيةً مؤقتةً،

لكنَّ جولي استمرت في عصبيتها،

وأصبحت تتعامل مع بيتر بقلة احترام؛

تتعمد إفساد علاقتهما دون سبب.

كلمها بيتر بعطفٍ،

وذكَّرها بالأيام الجميلة بينهما،

لكنَّ تعامل جولي ازداد حدةً،

تجنبها بيتر

وأصبح يتعامل معها بشيءٍ من الجفاء

لتعود إلى صوابها.

لكنَّ تعامل جولي ازداد سوءًا،

وأصبحت تلاحق بيتر تصرخ في وجهه:

(بالإنجليزية) أنا أكرهك، لن أستمع إليك،

(بالإنجليزية) أنت لا تعني شيئًا بالنسبة لي.

لم تُعطِه فرصة ليتجنبها،

وأصبحت حياتهما في خطر.

تمالك بيتر نفسه؛

حتى لا يتصرف هو أيضًا بعصبية،

فهو يحب جولي،

ولا يريد أن تنتهي علاقتهما،

يريد فقط أن يوقظها من تمردها هذا.

وبينما هو ضابط لأعصابه وجولي تصرخ به،

ضرب بيتر بيديه على ساعديها،

هزها وقال لها: (بالإنجليزية) هذا يكفي

(بالإنجليزية) جولي، توقفي أرجوكِ هذا يكفي.

هنا بكت جولي، وألقت بنفسها على بيتر،

فهدَّأها ومسح دمعتها.

هدأت جولي بعدها

وعادا إلى حياتهما السعيدة.

المشهد الرومانسي لبيتر وجولي

هو في الحقيقة المشهد الشرعيُّ في الحالات الاضطرارية في الإسلام،

كحلٍّ استثنائي لما يمكن أن ينشأ

في بعض الأسر،

والمشهد المرعب لأبو زعبل وفتحية

هو المشهد الَّذي يحصل حقيقة في الغرب

خارج أسوار هوليوود،

وهو الذي تؤدي إليه العلاقات

الغرامية المحرمة.

لكن لما يكون الإسلام مش مطبق

على مستوى الدول،

ومش مطبق على مستوى عامة المسلمين،

ولما يشتغل شياطين الإنس والجن ليلَ نهار

في تشويه الإسلام وتزيين الجاهلية الحديثة،

فإن المفاهيم تنقلب،

والصور الذِّهنية تصبح معكوسةً تمامًا.

نحن هنا اليوم لنوقظ المسلمين

أزواجًا وزوجاتٍ،

لا لندافع عن ممارسات منحرفة لدى المسلمين،

ولا لنقارن أخلاق المسلمين

بأخلاق الأمم الأخرى.

مع أننا لو أجرينا هذه المقارنة

على كل ما فينا،

مش حيطلعوا أحسن منا بالمناسبة.

لكن، مع ذلك نحن هنا اليوم لنرسم معًا

المسطرة الإسلامية الصحيحة،

لنرى جمال ديننا. فلما نجي نحل مشاكلنا،

منروحش نحلها بتقليد الغرب أو الشرق،

بل بالرُّجوع لكلام ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-.

تعالوا -إخواني وأخواتي- نعملْ

فرمتة لنفسياتنا،

نتخلص من أي صورة ذهنية متراكمة ومسربة

لعقلنا الباطن عبر السنوات من الإعلام

والتطبيقات السيئة في مجتمعاتنا،

ومن الأفلام والأغاني غير الواقعية.

ونرى معًا ما هو الإسلام،

وما هي الجاهلية فيما يتعلق

بمسألة ضرب المرأة.

مسطرة الإسلام محفوظة في الآيات والأحاديث،

عنها سنتكلم لا عن المسلمين

الَّذين انحرفوا عن المسطرة.

في الإسلام ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء:19]

ربك يأمرك أن تحسن إلى زوجتك

وتعاشرها بالمعروف.

كيف يعني بالمعروف؟

تروح تسأل أمنا عائشة -رضي الله عنها-

الَّتي قالت في زوجها -صلى الله عليه وسلم-

كان خُلُقه القرآن.

اسألها عن اللفتات الجميلة

التي ملأت حياتهما،

والَّتي ذكرنا العشرات منها في حلقة

(ندى تشتكي لعائشة)

إنك تُؤكِّل زوجتك بيدك هذا من السنة،

قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-:

(وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إلى في امْرَأَتِكَ) (صحيح البخاري)

يعني: إلى فم امرأتك.

إنك تشرب مع زوجتك من نفس الكبَّاية،

هذا قريب مما كان يفعله نبيك

-صلى الله عليه وسلم-

لما كانت عائشة تشرب وهي حائض

فيتناول النَّبيَُ الكأس،

ويضع فمه موضع فمها ويشرب،

جفاف العلاقات الأسرية ليس من الإسلام،

التَّصحر الَّذي يعيشه كثير من الأزواج

ليس من الإسلام،

فياليت لما تقارن،

تقارن الإسلام كما في القرآن والسنة

مش المسلمين.

في الإسلام ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة : 228]

لكِ على زوجك مثل الَّذي له عليك،

لازم يتجملك ويراعي مشاعرك،

وما يخونكش مثل ما هو متوقع منك أيضًا تمامًا.

هذا هو الأصل في العلاقات الزوجية.

طيب، امرأةٌ ما تصرفت بأسلوبٍ سيء،

يروح الإسلام يُذكِّر الزَّوج

أن يحفظ الود ويطول باله

﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ

فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا

وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19]

تمادت المرأة وعمال بتهدِّم بيتها.

ما الَّذي تريدينه يا بنت النَّاس؟ لا أريدك.

طيب، اختلعي منه.

أرجعي له مهره أو جزءًا منه وانفصلا،

فالزَّواج ليس سجنًا لا مهرب منه.

هِيَّ لا تريد الخلع ومع ذلك

مصِرَّة تخلي الحياة صعبة.

أمام الزوج خيار التَّطليق.

الطَّلاق الواعي الَّذي له شروطٌ تفصيلية

كحل لا كانتقام،

وحتى الطَّلاق لازم يكون طلاقًا بإحسان،

﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة : 229]

يعني التَّعامل مع المرأة دائرٌ بين

المعروف والإحسان،

﴿فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب : 49]

الإسلام جميل في كل شيء

حتَّى في أوقات الخصومة،

حتَّى لو ظلمتك وأساءت إليك.

فهذه العلاقة تنهيها بإحسان وبجمال،

مش زي الخيبات الكثيرة المنتشرة

بين المسلمين للأسف.

من التَّفنن في الفجور في الطَّلاق

من الزَّوجين وعائلتيهما.

طيب، الزَّوج مش هاين عليه ينهي هذه العلاقة

يسمع قول ربنا عز وجل:

﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة : 239]

وحافظ لزوجته الذَّكريات الحلوة،

وخايف على الأولاد وتشتتهم،

وخايف على زوجته نفسها أنها تندم

بعد ما تخرب بيتها بإيديها.

تيجي الحلول الإسلامية هنا.

﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ﴾ [النساء : 34]

هذا هو الأصل.

هذه هي الحياة الزَّوجية العادية في الإسلام،

ست محترمة صالحة تحفظ نفسها وبيتها

في غيبة زوجها.

أيوا لكن هناك دائما حالات شاذة

﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء : 34]

هناك نشوز يُخاف من عواقبه؛

تمرد وأذية وعدم احترام لكيان الأسرة،

ما الحل؟

﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء : 34]

ما شفتوش بيتر لما كان بيعاتب جولي؟

فالزوج يعظ زوجته ويذكرها بحق الله

وبآثار تمرُّدها هذا على الجميع.

﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ [النساء : 34]

ما فيش علاقة زوجية على شان يجتنب نكدها،

ويقصر الشَّر،

ولأنه مضطر يوريها نوع من الجفاء.

إذا لم ينفع هذا كله فما العمل؟

﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء : 34]

ضرب انتقام وفش غل؟! لأ، حرام بالإجماع؛

لأنه حتى الضرب له ضوابطه وآدابه

وإحسانه وجماله كما في الطلاق.

ألم تسمع قول نبيك -صلى الله عليه وسلم-:

(إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ) (صحيح مسلم)

على كل شيء بما في ذلك الضرب الاضطراري.

ألم تسمع إلى قول نبيك:

(ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه ،

ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه) ( صحيح الجامع)،

فحتَّى الضرب الاضطراري لازم يكون ضربًا رفيقًا،

طيب، كيف يعني آداب الضرب الجميل

المحسن الرَّفيق؟

بدايةً ستجد في سيرة النَّبِّي العملية

عشرات الشواهد عن اللفتات اللطيفة

في المعاملة.

لكن، لن تجد كيفية ضرب الزَّوجة لأنه

-صلى الله عليه وسلم-

كما قالت زوجته عائشة: (ما ضرَبَ رسولُ اللهِ

-صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بيَدِه امْرَأةً له قَطُّ،

ولا خادِمًا، ولا ضرَبَ بيَدِه شَيئًا قَطُّ

إلَّا أنْ يُجاهِدَ في سَبيلِ اللهِ) (صحيح - تخريج المسند)

لكنَّه -صلى الله عليه وسلم- حدَّ حدودًا

في هذا الضَّرب يحرم تجاوزها.

طبعًا الكتاكيت الحلوين الغربيين

البيترات الحقيقيين

والمسلمون الهاجرون لدينهم (أبو زعبلات)،

أول ما ينشأ خلاف يروح ضارب الوجه على طول،

كف مُهين يرن في أذنها.

ممنوع شرعًا الاقتراب من الوجه،

قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: ( ولا تضرب الوجه

ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت) (الصحيح المسند-صححه الوداعي وأحمد شاكر)،

الوجه محل تكريم وأنت لا تريد أن تهينها،

بل أن تضع لها حدًا وتوقظها من خطئها.

ولا تقبِّح يعني: ممنوع تقول لها قبحك الله،

يعني الله يجعلك بشعة

لأ، حرام، فينك يا رسول الله..

لو رأيت مش بس قبحك الله

بل السَّب والكلام المهين،

وهذا حرامٌ طبعًا من بابِ أولى.

فما بالك بمن يسب أهلها وأهل أهلها

والخيبات الثقيلة الي تحصل

والَّتي الإسلام منها براء.

فالضَّرب الَّذي في الآية ليس ضرب

إنسان خارجٍ عن طوره،

بل ضرب رجلٍ متَّزنٍ حكيمٍ ضابطٍ لأعصابه

يضعُ حدًا للخطأ بهذا الضرب.

قال نبينا: (ولا تهجر إلا في البيت) (الصحيح المسند-صححه الوداعي وأحمد شاكر)

يعني: لا يجوز لك أن تعاقبها بترك البيت.

طيب هي بتعمل نكد ومش تاركتني في حالي...

حتَّى ولو، هناك خيارات أخرى تدفن المشكلة.

أما خيار الهجران خارج البيت

فيحدث لزوجتك وحشة وتزيد الجفوة بينكما.

طيِّب، هل الضَّرب مسموحٌ يكون موجع علشان يؤدبها؟

لأه، أبدًا؛ قال نبيُّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

(إلَّا أنْ يأتين بفاحشةٍ مبيِّنةٍ فإن فعلْنَ

فاهْجُرُوهنَّ في المضاجع واضْربوهنَّ ضرْبًا غير مبرِّحٍ،

فإنْ أطَعْنَكُمْ فلا تَبْغوا عليهنَّ سبيلًا) (الترمذي - حسن صحيح)

إذن، على الوجه ممنوعٌ، مع سِبابٍ وشتائمٍ ممنوعٌ، ضربٌ موجعٌ ممنوعٌ،

في حالة ثوران الزَّوج وعدم سيطرتِه ممنوعٌ،

ماذا بَقيَ إذن؟ بقي مثلُ ضرب بيتر لجولي.

طيِّب، هذا الضَّرب ما المقصود منه؟

ما دام مش للتَّشفِّي ولا للانتقام؟

مطلوبٌ منه أنْ تعود إلى رُشدها وتكفَّ عن تمرُّدها.

طيِّب، إذا حصل هذا المقصود،

هل يجوز للزَّوج أن يستمرَّ

ولو بخبطةٍ على السَّاعدين كخبطة بيتر؟

لأ، طبعًا، لأنَّه حصل المقصود:

﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيْلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34]

بمجرَّد أنْ يْحصُلَ المقصودُ ممنوعٌ تمدُّ إيدَك عليها

وتذكَّر أنَّ الله عليٌ كبيرٌ،

قادرٌ على أن يقتصَّ لها منك في الدُّنيا أو في الآخرة

وتعود الأمور بعد ذلك إلى المعروف

والإحسان، وحسن العشرة واللَّفتات اللَّطيفة

التي علَّمنا إيَّاها رسول الرِّفق محمَّد -صلى الله عليه وسلم-.

هذا هو الكلام الَّذي دلَّت عليه أدلَّة القرآن والسُّنة.

طيِّب، هل فهِم العلماء المسلمون في القرون السَّابقة مثلَ هذا الفهم؟

أنا كان ممكن آتيك بأقوالٍ لعلماءٍ معتبرين -لكنها لا تمثِّل عامَّة العلماء-

كلامًا رجَّحوا فيه في المحصِّلة تحريمَ الضَّرب،

أو السَّماحَ به في بيئاتٍ اجتماعيَّةٍ دون بيئاتٍ أخرى،

لكن ليس من منهجِنا أنْ نأتيَ بأقوالٍ

تُوافِقُ أهواءَ النَّاس وكأنَّنا نخبِّىء عنهم شيئًا،

وإنَّما سنذكرُ لكَ هنا بعضَ أقوال العلماء

التي نراها تمثِّل عامَّتهم؛

أقوالِ فقهاء لمذاهب معتَبَرين.

قال ابنُ شاس من -فقهاء المالكيَّة-

في (عقد الجواهر):

"فإن غلب على ظنِّه أنَّها لا تتركُ النُّشوزَ

إلَّا بضربٍ مُخَوِّفٍ لم يَجُزْ تعزيرُها أصلًا"؛

"لمْ يَجُزْ تعزيرُها أصلًا" يعني:

إذا كان لا ينفعُ معها إلَّا الضَّربُ المخيفُ

لمْ يَجُزْ للزَّوج أن يعاقبَها؛

لا بضربٍ مخيفٍ ولا بضربٍ أقلَّ منه،

لأنَّ المسألة ليست مسألة عقابٍ ولا فَشِّة غُلّ

وإنَّما تأديبٌ للمخطئ،

إذا مش حَتِتْأَدَّب إذن لا فائدةَ من الضرب؛ فلا يَضْرب.

طيِّب، وما الحل؟ هناك خياراتٌ أخرى:

﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ [النِّساء: 35]

هناك الطَّلاق، الخُلْعُ، لكن الضَّرب؟ لأَّه،

ما دام الضَّرب الشَّرعيُّ لن يفيد.

وقال ابنُ عرفة -من المالكيَّة- في (الشَّرح الكبير):

"فإن جزم أو ظنَّ عدمها -أي عدم إفادة الهجر-

"ضربها إنْ جزم بالإفادة أو ظنَّها، لا إن شكَّ فيها".

يعني الضَّرب إذا غلب على ظنِّه أو تأكَّد أنَّه نافعٌ، لا إذا شكَّ أنَّه نافعٌ،

هذا من مذهب المالكية.

أمَّا من الحنابلة فقال البُهوتي في (كشف القناع):

"والأَوْلى تركُ ضربِها إبقاءً للمودَّة"

يعني: حتَّى وإن استحقَّت الضَّرب فالأولى تركُ الضَّرب.

من الشَّافعيَّة قال ابن حَجَر الهيثميُّ في (تحفة المحتاج):

"أمَّا إذا علم أنَّه لا يُفيد فيحرُم".

يعني الكلام كلُّه -يا إخواننَا-

عن ضربٍ واعٍ تربويٍّ

له مقصدٌ واحدٌ: تصحيحُ الخطأ،

والحفاظُ على هذا البيت والعلاقةِ بين الزَّوجين.

طيِّب، ماذا إذا كانت الزَّوجة تخلُّ

لا بحقِّ الزَّوج فحسب، بل وبحقِّ الله -تعالى-؟

"سألَ ابنُ هانئٍ الإمامَ أحمدَ بنَ حنبلٍ عن الرَّجل

له امرأةٌ لا تُصلِّي هل يضرِبُها؟

فقال الإمامُ أحمد: نعم، يضرِبُها ضرْبًا رفيقًا

غيرَ مُبرِّحٍ؛ لعلَّها ترجِع".

هذا مع أنَّ الزَّوج يريد أنْ يُلزمَها بحقِّ الله

بلْ وَبِأَهَمّ أركان الإسلام: الصلاة.

ستقول هنا: بيتر مين وجولي مين يا عم؟!

الواقعُ غيرُ ذلك تمامًا؛

كثيرٌ من الأزواج يضربون ضرب أبو زعبل!

فأقول لك للمرَّة الألف: الواقعُ غيرُ ذلك

لِخَيْبَة كثيرٍ من المسلمين وبعدِهم عن دينهم،

لا لأنَّ الشَّريعةَ أمَرَتهم بهذا الضَّرب.

ستقول: لكنَّ سماحَ الشَّريعةِ بالضَّرب

سيؤدِّي بالتَّأكيد لسوءِ استخدامِ هذا التَّشريعِ من الأزواج.

فأقول لك: ضربُ المرأة انتشر

في الماضي والحاضر،

في الجاهليَّات القديمة والحديثة،

وفي الغرب والشرق،

وفي أكثر المجتمعات تقدُّمًا ماديًّا وأقلِّها تقدُّمًا،

وبِنَسَبٍ مخيفةٍ، وأشكالٍ بشعةٍ.

لكنَّ الإسلامَ جاءَ فحرَّمَ هذا الضربَ أصالةً،

وحصَرَهُ في حالاتٍ اضْطراريَّةٍ

وغيَّرَ دوافعَهُ في هذه الحالات؛

غيَّرها من الانتقام والتَّشفِّي، والعدوانِ والتَّنمُّر

إلى التَّأديب والحفاظِ على العلاقة.

والإسلام جعل الضَّربَ للزَّوجة المتمرِّدةِ المخطئةِ حَصْرًا.

وحتَّى في هذه الحالة وَضَعَ لَهُ آدابًا

ليجعله ضربَ رفقٍ وإحسانٍ كضرب بيتر لجولي.

طيِّب، ليه يضربها أصلًا؟ يطلِّقها وخلاص!

هذا -يا حبيبي- لمَّا يكون في استهانةٌ بكيان الأسرة، كما تدعو الجاهليَّةُ الحديثة

الَّتي تسعى لتخريب البيوت وتدمير الأسر

وتربية الأولاد على ما يريده النَّظام الدَّولي

ومن ثَمَّ قضاء الشَّهوات بالزِّنا والشُّذوذ.

يعني قصدك تقول إنُّه معلش، خلِّي الزوجة تتحمَّل

حتَّى لو تجاوز زوجها هذه الآدابَ كلَّها؛

وضربها على وجهها وسبَّها ، وأوجعها وسبَّ أهلَها،

يِرُوح حقُّ المرأة خلاص؟! ونقول لها لكِ الآخرة والجنَّة؟!

نقول لك يا صديقي: لا، لن يضيعَ حقُّها

لا في الدنيا ولا في الآخرة في النِّظام الإسلاميُّ،

بل الإسلام يوفِّرُ الحلولَ لهذه الحالات.

الإسلام لمْ يترُك المسألةَ لتَقوى الزَّوجِ فقط،

بل إذا أساءَ بعضُ الأزواج التَّطبيقَ لهذا الضَّرب

فإنَّهم يعاقَبون بسلطةِ الشَّريعة أيضًا.

فسوء التَّطبيق لا يَطعنُ في الحكم الشَّرعيِّ نفسِه من إباحة الضرب،

إذا طبيبٌ أهملَ فأضرَّ بمرضاه فلا نقول أنَّ الطِّبَّ كلَّه خطأٌ،

وإنَّما يُعاقَبُ هذا الطَّبيبُ على إهمالِه

ويبقى الطِّبُّ على أصلِه.

قال ابنُ حزمٍ في (المُحلَّى):

"فصَحَّ أنَّه إنْ اعتدى عليها بغير حقٍ فالقِصاصُ عليه".

قصاصٌ، يعني: يُقتصُّ من الزَّوج

ويُضرَبُ كما ضرَب زوجتَه تمامًا.

وقال أحمد الدَّرديريُّ المالكيُّ في (الشَّرح الكبير):

"ولا يجوزُ الضَّربُ المبرِّح

ولو علم أنَّها لا تترك النُّشوزَ إلَّا به،

فإنْ وقَع فلها التَّطليقُ عليه والقِصاصُ".

الكلام عن مَن؟ عن امرأةٍ ناشزٍ متمرِّدةٍ مسيئةٍ،

ومع ذلك لا يجوز له أن يضربها ضربًا مبرِّحًا بدعوى تأديبها،

وإذا فعل تلجأُ للقضاءِ الإسلاميِّ في الدَّولةِ المسلمة.