" أنا حرة " (1)
-زوجي... نعم.
لكن هذا لا يعني أنَّه يحق له أن يتحكَّم بي.
ليس له أن يسألني: وين رايحة؟ ومن وين جاية؟
أنا إنسانة ليَ استقلاليتي...
أستأذنه في الخروج من منزلي؟!
أنا أستأذنه؟!
هل أنا قاصرٌ حتى أستأذنَه كأنه وصيٌّ عليّ؟!
كونه زوجي لا يعني أنَّه اشتراني،
لست عبدةً عنده.
[في مكتب المدير] المدير: لماذا تأخّرتِ؟
المرأة: آسفة حَضْرة المدير،كان عندي ظرف.
المدير: لا تتأخري مرةً أخرى.
العمل تعطّل في غيابك.
المرأة: حاضر.
المدير: غدًا كوني مزروعةً في المكتب الساعة الثامنة صباحًا.
المرأة: حاضر.
[في مكتبها] المرأة: أسلوب المدير كان جارحًا
لكن ربما معه حق.
عصبيَّتُه مبرَّرة، إنها مصلحة العمل.
وحتى لو تضايقت، لا بدَّ أن أتحمَّل،
هذا عملي، مصدر نجاحي واستقلاليّتي.
لا أُريد أن أعتمد على أحد.
لا أريد أن أعتمد على أحد.
ما الَّذي جعلها ترفض قِوامة الزَّوج،
وترفضُ تدخُّلَه....
وفي المقابل؛
تتفهَّم تدخُّل المدير، وتحترم أوامره؟!
ما الَّذي يجعلُها تتقبَّل سؤالَ المدير بصدرٍ رحْبٍ إذا سألها:
-ماذا عمِلتِ في ساعات العمل؟
وتقف أمامه في أدبٍ تستأذنه:
-تسمح لي أغادر العمل وأرجع الساعة الفلانية؟
في الوقت الَّذي ترى فيه استئذان الزَّوج أمرًا مُهينًا؟
هذا ولن نتكلم عن المؤسسات والمديرين
الَّذين يفرضون على الموظَّفات
ماذا يلبسن وماذا لا يلبسن.
ما الَّذي جعلها تتفهَّم مصلحة العمل،
وتتحمّل عصبيَّة المدير؟
خاصةً إذا لم يكن هناك فُرْصةُ عملٍ أخرى.
بينما إذا غضب زوجها: استنفرت، وتحدّت،
وطالبت بالانفصال، ثم نشرت على حسابها:
Celebrating divorce
يعني: أحتفلُ بالطلاق...
ما الَّذي جعلها ترفض سُلطة رجلٍ واحد: زوجِها أو أبيها؟
لتقبل بعدها سُلطة عددٍ
من الرجال الأجانب عنها،
يَقِلّون أو يكثرون بحسب الهيكل الإداري،
ويتبدَّلون ويتغيَّرون...
فلا يُؤْمَن أن يتحكّم فيها من قَلّت أمانتُهُ، وفَسَدت أخلاقه.
في المحصِّلة: ما الَّذي جعلها تستبدل الَّذي هو أدنى بالَّذي هو خير؟
طيّب، ما معنى القِوامة؟
هل يمكن أنْ نكون نحن معاشر الرّجال
نُسيء فَهم القِوامة، وبالتَّالي فزوجاتنا يرفضن -أحيانًا- ما هو مرفوضٌ شرعًا بالفعل؟
طيّب، ولماذا تكون هناك قِوامةٌ أصلًا؟
لماذا لا تكون كل قرارات الأسرة بالتَّشارك،
ورأي المرأة بنفس وزن رأي الرجل؟
أليس الأصل أن تكون هناك مساواةٌ مُطْلقةٌ بين الرّجل والمرأة؟
هل القِوامة للرجل هي ببساطة من أجل ذكورته البيولوجية؟
لأن لديه كروموسوم (Y)
بينما الأنثى كروموسوم (X)؟
حسنًا، ماذا إذا امتنع الزَّوج عن الإنفاق على زوجته ورعايتها،
هل تبقى له القِوامة؟
ماذا إذا كانت الزَّوجة هي من تُنْفق على البيت، وعلى زوجها؟
ألا يحقُّ لها أن تكون القِوامة لها في هذه الحالة؟
ماذا إذا كانت الزَّوجة دكتورة،
والزَّوج ليس متعلمًا أصلًا؟
لماذا تكون له القوامة في هذه الحالة؟
ألا تَفْتح القوامة المجال لتسلّط الرّجل على المرأة؟
ما قصة الأخت التي ذهبت لبلد الزهور(هولندا)
وما رأته هناك والرسالة التي أرسلتها إلينا؟
هذه الأسئلة كلها -يا كرام- سنجيب عنها في حلقة اليوم، وهي من أهم الحلقات فتابعونا.
ما الَّذي جعل المرأة تستبدل الَّذي هو أدنى بالَّذي هو خير؟
فترفضُ سلطةَ الزّوج وقوامتَه،
بينما تتقبّل سُلطةَ المدير،
بل وربما مجموعةٍ من الرجال الأجانب عنها؟
المسألة ميزان؛ في إحدى كفَّتيه القوامة الشَّرعية، وفي الأخرى سلطة المنظومة الماديّة.
تمَّ تزيين سلطة المنظومة الماديّة على المرأة،
وفي المقابل تشويه القوامة من قِبَل أعدائنا،
وبسوء ممارسات كثيرٍ من المسلمين.
والميزان الَّذي تقيس به هذه المرأة
ميزانٌ مختلٌ؛
مضبوطٌ على معيار المساواة لا العدل،
فكانت النَّتيجة: أن رَجَحَتْ كفّة السلطة الماديّة،
وطاشت كَفَّة القِوامة الشَّرعية.
في زمن تقْديس الماديّة
المدير هو وليُّ نعمتها، المساعدُ لها على التّمكين الاقتصادي الّذي تكلّمنا عنه.
والذي خادعها به (رامبو) و(قرعاق).
فسُلْطة المدير جزءٌ من المنظومة الماديّة
التي تحقق للمرأة استقلال الإنسان المتأله، المؤله لأهوائه، كما بيَّنا في حلقة:
"المرأة المتألهة"
بينما القِوامة أمر الله،
فهانت على المرأة المتألهة.
هذه المرأة تستهين بالقوامة، تبعًا
لاستهانتها بـ"مؤسَّسة الأسرة".
في مقابل تعظيمها للمؤسسات التي تحقق الإنتاج الماديّ.
تستهين بالقيم والمعاني الإيمانية والأُخروية التي أُقيمت الأسرة من أجلها،
في مقابل تعظيمها للقيم الماديّة.
ولا ننسى طغيان الماديّة لا على المرأة فحسب،
بل وعلى المجتمع ورجاله أيضًا.
بحيث أصبح كثيرٌ من الرَّجال يقيّمون المرأة باكتسابها للمال،
وانعكس ذلك على نظرتها لنفسها.
في المقابل...
تشوه لدى المرأة مفهوم القِوامة والولاية من الرَّجل عليها،
أبًا كان أو أخًا أو زوجًا،
بسوء الممارسة حينًا،
وبتشويه أعداء الدِّين لهذه المفاهيم أحيانًا.
فأصبح لدى كثيرٍ من النِّساء منظومةٌ من صورٍ نمطيةٍ مكرسةٍ، وعاطفةٍ، ولا وعيٍ؛ أُعيدت صياغته
فهي تُحاكم الآيات والأحاديث بهذه المنظومة وهي لا تشعر.
تنطلق من عقدة المظّلوميّة...
قد تكون ظُلمت بالفعل، لكن شعورها بالظّلم
امتدَّ ليشمل جنس الرّجال كُلِّهم
بل؛ ولتحسَّ بالظّلم من الله تعالى!
فإذا سَمِعَتْ:
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النِّساء: 34]
سمعتها على النحو الآتي:
الرِّجال لهم أن يتسلّطوا عليك، ويتحكَّموا فيك؛
لأنهم أفضل منك، ويُنفقون عليك،
فلهم أن يشتروا حريتَكِ وكرامتَكِ بمالهم،
ويُحمّلوكِ جميلة على هذه النفقة،
تحت شعار: "القِوامة والولاية".
تمامًا كما يحصل مع المصابين بالفصام
مما يُسمّى بـ البارانويا "Paranoia"
(الشك في أنَّه مُتآمَرٌ عليه،
فيسمع صوتًا داخليًا يُفَسّر الكلام
الَّذي يُقال له ضمن نظريّة المؤامرة).
بينما الآية في الحقيقة لمن فهِمتْ أمر ربِّها، وآمنتْ بحكمته وعدله
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النِّساء : 34]
يعني: متكفِّلون بأمر النِّساء، مَعْنِيّون بشؤونهنّ.
فهذا أمرٌ من الله للرِّجال أن يتكفلوا
برعاية المرأة، وحِفْظها، والإنفاق عليها
وكفاية حاجاتها، ولا يُعرِّضوها للمذلّة،
ولا يتركوها نهبًا للذّئاب،
كما رأينا في حلقة: "تحرير المرأة الغربية".
القِوامة: وظيفةٌ واجبةٌ على الرجل تِجاه المرأة زوجةً كانت أو أختًا أو بنتًا أو سواها،
بحسْب التّرتيب الشَّرعي لمنزلته من المرأة.
وهذه الوظيفة ليست حقًّا للرجل يمكن أن يتنازل عنه، بل هو واجبٌ عليه يأثم بتركه.
فلا تَعْدَمُ المرأة في النِّظام الإسلاميِّ، رجلًا يقوم عليها،
ويكفيها الحاجةَ إلى كسب المال،
إلا أن ترغب من نفسها.
فإن عَدِمت ذلك الرجل، فالدَّولة تكفيها حاجاتها،
والسلطان وليُّ من لا وليَّ له.
فالقِوامة حقُّكِ أنتِ على الرِّجال،
القِوامة تعني أن يدافع عنك، وعن عرضك، ويفديك بنفسه إن تَطَلّب الأمر،
وينتصرَ لكِ إن مُسّتْ كرامتكِ بأدنى شيء،
لا كما يحصل في عالم الدياثة الغربي.
قوّامون؛ واللاتي حرَّضهن الرامبوهات والقراعيق
على رفض هذه القوامة،
تحت شعار: "التّمكين الاقتصادي"،
وقع كثيرٌ منهنَّ في الفخ،
فاقترضنَ من القراعيق،
ثم عجَزن عن السداد،
فجاءت الدَّولة،
-الدَّولة التي يجب عليها في النِّظام الإسلاميّ أن تكفي المرأة إذا احتاجت-
جاءت هذه الدّول لتحبس النِّساء أو تُذِلهَّن،
بعدما استدرجتهنَّ لرفض القوامة الشّرعية،
فلمّا اَسْتَبدلت المرأة الّذي هو أدنى بالّذي هو خير، أُبْدلت بقوامة أهلها حبس (قرعاق).
(الرجال قوّامون على النّساء) [النِّساء: 34]
هؤلاء الرّجال القوَّامون يجب عليهم قيادة الأسرة.
وهي مسؤوليةٌ قبل أن تكون حقًا.
ولهم -بحسْب هذه المسؤولية- طاعةُ النِّساء لهم فيما هو من حقوقهم عليهنَّ،
كأن لا تخرج المرأة من بيتها بدون إذن زوجها.
(بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) [النِّساء: 34]،
ولم يقل تعالى: بما فضّلهم عليهنَّ،
ولا، بما فضَّل الرِّجال على النِّساء.
بل، بما فضَّل الله بعضهم على بعض.
ففضَّل الرجال في أحكامٍ ومهامّ،
وفضَّل النِّساء في أحكامٍ ومهامّ.
هذا التَّفْضيل فيه مراعاةٌ حكيمة
لما جُعِل في خِلقة المرأة من عاطفةٍ، وقدراتٍ جسمية وذهنية،
تجعلها مؤهلةً لأن تُوكَل بتربية الأولاد، ولأن تكون حُضنًا دافئًا وسكيّنةً لزوجها، كما هو لها.
وهذا التّفْضيّل فيه مراعاةٌ لما جُعل في خِلْقة الرّجل من قدراتٍ جسميةٍ وذهنيةٍ ونفسية،
تجعله أقدرَ على الكسْب، وحُسْنِ اتخاذ القرار.
(وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النِّساء: 34] هذا الركن الثاني،
ليكون للرجل حقُّ ومسؤوليةُ قيادةِ الأسرة؛
فالرّجل الَّذي يُنْفق، ويتعب، ويحمي، ويرعى...
هو الَّذي يتَّخذ القرارات في النهاية، ويتحمَّلُ مسؤوليتها، ويدفع ثمنها.
حسنًا، وإذا لم يُنفق الرجل؟
إذا لم يقم بالواجب عليه؟
تتعرض قوامتُُه للسقوط.
أسقط واجباتِه، فتسقط معها حقوقُه، كما سنفصّل.
فالقِوامة مشروطة بشرطين:
1- الرُّجولة وما معها من تفّضيلات، تجعله مؤهلًا للقوامة.
2- والإنفاق؛ يعني القيام بمقتضى هذه الرجولة والتّفضيلات.
وهذا مهمٌّ جدًا أن يعلمه الرِّجال والنِّساء.
القوامة ليست بمجرد ذكورتك،
ولا لأنك حامل لكروموسوم (Y)،
بينما الأنثى كروموسوم (X).
ولا لأن عندك هرمون (التستوستيرون)،
وهي عندها (استروجين)،
كما يفعل بعض الخائبين المقصِّرين المتخّلين عن واجباتهم،
ثم يرفعون على المرأة سيف القِوامة والولاية.
القِوامة؛ مرتبطة بقيامك بواجبات القِوامة.
بعدما استعرضنا تزيين السُّلطة المادِّيَّة، وتشويهَ القِوامة الشَّرعيَّة،
تعالي نرَ خَلَل الميزان الذي يوازِن بينهما...
المرأة التي تنفِر من القوامة؛ لأنَّها لا تُساوي بين الرَّجل والمرأة
أو عندما تقول: لماذا لا يُسمح للمرأة أن تضربَ زوجَها تأديبًا أيضًا؟
أو لماذا لا يُسمح في الإسلام للمرأة أن تتزوَّج أربعةَ رجال؟
لاحظي أن المقدِّمة التي تنطلق منها في هذا كلِّه هو أنَّ المساواة هي المعيارُ الحقُّ المُطلق.
تنطلقُ من هذا المبدأ وكأنَّه مسلَّمةٌ لا نقاشَ فيها،
ثم تقيسُ أحكامَ الإسلام إلى هذه المسطرة،
ولم يخطرْ ببالها أن تسألَ إنْ كانت مسطرتُها نفسُها صحيحةً!
قيمة الإسلام العليا -والتي يُحاكَمُ إليها كلُّ شيء-
هي طاعة الله -سبحانه-،
الذي جعل دينَه قائمًا بالحقِّ والعدل،
وليس المساواة بالضَّرورة؛
فالمساواة تكون أحيانًا حقًّا وعدلًا، وأحيانًا أخرى ظلمًا وباطلًا.
لا يُنكِرُ عاقلٌ وجودَ فرقٍ بين الرَّجل والمرأة
في التَّكوين الجسديّ والنَّفسيّ والعاطفيّ والقدرات والمواهب،
وبالتَّالي فلكلٍّ منهما ما يناسبه من الحقوق والواجبات.
هذا أمرٌ عقليٌّ واضح.
محاولة تكليف المرأة بواجبات الرَّجل وإعطائها حقوقَه
سينتجُ عنها منافرةٌ لطبيعة المرأة،
المرأة الغربية تعرضتْ لظلمٍ من الرَّجل،
ولم يكنْ مطروحًا لديها الاحتكامُ إلى وحيٍ ربَّانيّ
يوضِّح الحقوق والواجبات بعدل،
فاختارت المساواة،
فانتهى بها الأمر
أنَّها لم تحقِّقْ لنفسها حقًّا ولا عدلًا ولا حرِّيَّةً ولا مساواة،
كما بينَّا في حلقة: (تحرير المرأة)،
وانتقلت المرأة الغربيَّة من ظلمٍ إلى ظلم؛
فمساواة المرأة بالرَّجل ظلمٌ لها!
في الإسلام ووحيه المحفوظ
الله الذي فرَّق بين الجنسين في التَّكوين الجسديّ والنَّفسيّ والعاطفيّ.
شرع -سبحانه- لكلٍّ منهما من الأحكام ما يناسبهُ، على أساس الحقِّ والعدل.
﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 67]،
لم يساوِ الإسلام بين برِّ الأب وبرِّ الأم، بل فضَّل برَّ الأم،
وكان في ذلك قائمًا بالحقِّ والعدل،
لم يساوِ الإسلام حين ألزمَ الرَّجلَ بنفقة البيت كاملةً للمرأة ولأولادهما،
بينما لم يُوجِبْ على المرأة أيَّة نفقة!
فحتَّى وإن كانت غنيَّة، وأغنى بكثيرٍ من زوجها ليس عليها نفقة،
لم يساوِ الإسلام حينَ أوجبَ الجهادَ على الرَّجل لحمايةِ المرأة،
ولم يُوجبْه على المرأةِ لحمايةِ الرَّجل،
لم يساوِ الإسلامُ حينَ أباحَ للمرأةِ أن تلبسَ الذَّهبَ والحرير،
وحرَّمَ ذلك على الرَّجل،
لم يساوِ الإسلام حينَ جعل حقَّ الحضانة للأم دونَ الأب عند افتراق الزَّوجين،
وكان الإسلامُ في هذا كلِّه محقِّقًا للحقِّ والعدل بعدمِ المساواةِ بين الجنسين.
عبادةُ الله تعالى تعني: استمدادَ المعايير من الله.
بينما تأليه الإنسان يؤدِّي -في المحصِّلة- إلى تضييعِ الحقِّ والعدلِ والحرِّيَّةِ والمساواة،
خاصَّةً في شأنِ المرأة كما بيَّنَّا.
المؤمنة تُسَلِّمُ حبًّا وكرامةً وتعظيمًا لأمر ربِّها القائل:
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ
لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ
وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النِّساء: 32]
لا تتمنَّي أشياء خصَّ الله بها الرَّجلَ، كما لا ينبغي له هو أن يتمنَّى أشياء خُصَّتْ بها المرأة.
بل آمِنوا جميعًا بعدلِ الله وحكمته،
ومع ذلك...
ففي ضمن دائرة ما أعطاكِ الله:
استعيني بهِ واسأليه من فضله، وانظري إلى عطايا الله بعد ذلك كيف تكون،
رَبٌّ خلقَ الذَّكرَ والأنثى يأمرُ بما فيه العدل للذَّكر والأنثى.
قال تعالى:
﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾ [النِّساء: 34].
ومن معانيها: احفظي حقَّ الرَّجلِ أيَّتها المرأة مقابلَ ما حفظ الله من حقِّك على الرَّجل.
من اختلَّ عندها الميزان كانت القِوامة في حسِّها تحكُّمًا وتسلُّطًا وإهانة،
وإذا وضعنا الأمورَ في نصابها
علمتِ أنَّ القِوامة هي:
رعايةٌ، حمايةٌ، طمأنينةٌ، راحةٌ،
وانسجامٌ مع طبيعة المرأة وفِطْرتها، وحَقٌّ ممنوحٌ لها من رَبِّها،
إذا فَهمْتِ هذه القاعدة وانضبطَ عندَكِ الميزان:
فارجعي البصر إلى سماء الشَّريعة:
هل تريْنَ من فُطُور؟!
هل تريْنَ من خللٍ أو نقص؟!
لا والله لن تريْ خللًا!
فالذي أحكمَ خلقَه قد أحكمَ شريعتَه.
بعد هذا تعالَ وتعالي نُجب عن تساؤلاتٍ كثيرةٍ نسمعُها عن الموضوع؛
لنرى كيفَ أنَّها شريعةُ حقٍّ وعدلٍ وفضلٍ بالفعل
[سؤال 1] ماذا إذا اختلفَ الزَّوجانِ،
وأصبحَ كلٌّ منهما يقول للآخر: افعلْ واجباتِك تجاهي لأعطيَكَ حقوقَك؟
نقول: الأصلُ أنَّ الزواج مبنيٌّ على المودَّة والرَّحمة والألفة،
يُؤدِّي كلٌّ من الزَّوجين ما عليه وزيادة بحبٍّ وعن طيب نفس،
وليستْ مؤسَّسةً مُحاسبية يُحاسبُ كلُّ طرفٍ فيها الآخر كأنَّهما شريكانِ مختصمان على الحِصص.
فإذا حصل خلاف، كان اللُّجوءُ إلى قاضي المودَّةِ والرَّحمةِ الذي جعلهُ اللهُ بينهما:
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم :21].
ولمَّا يَكثُر استخدام كلمة: "حقِّي" و"واجبُك"
فهذا دليلُ أنَّ مؤسَّسة الزَّواج ما عادتْ تُؤدِّي ما أُقيمتْ من أجلِه،
كلُّ الشَّركات يُمكن أن تقومَ بالعدل إلا شركةَ الزَّواج: لا تقومُ إلا بالفضل،
[سؤال 2] طيّب... كلام جميل، لكن إذا كل واحد تَمسَّكَ بموقفِه، ودخلنا في حلقةٍ مُفْرَغة:
-اعملْ واجبكَ أنتَ.
-لا اعملي أنتِ.
من الذي نَميلُ عليه أكثر؟
من المطالَبُ أكثرَ بالاستيعاب والمسامحة؟
نقول: المطالَبُ هم الرِّجال؛ قال الله -تعالى- في سورة [البقرة]:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: 228].
اسمعي ما أجملَ قول شيخ المفسِّرين الإمامِ ابن جرير الطَّبري
بعد أن أورد الأقوال في تفسير هذه الآية:
قال الطَّبري -رحمه الله- :
"وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عبَّاس:
وهو أنَّ الدَّرجة التي ذكر الله -تعالى ذكرُه- في هذا الموضع:
الصَّفحُ من الرَّجل لامرأته عن بعض الواجب عليها وإغضاؤُه لها عنه وأداءُ كلُّ الواجب لها عليه"