الغزو الحقيقي للفضاء (2)
” انتبه السياسي، وأثار هذا التساؤل زوبعة في ذهنه، وأراد أن يعرف الإجابة، فأكمل السيد الأعظم: “لذلك أنا أختار النكات بعناية تامة، حتى يتم تحليلها بشكل جيد، وقد سألت الكمبيوتر سؤالين، وأظن أن السؤال الأول، ‘أين مصدر النكات؟‘ قد أجيب، واليوم أعتقد أيضا أن المالتيفاك لديه الإجابة على السؤال الثاني أيضا، وسنحتاج المحلل لكي يحلل الإجابات ويترجمها لنا.” توجه الجميع إلى غرفة المالتيفاك، وانتظروا الإجابة، طبعت الإجابة على الأوراق، فأعطى السيد الأعظم المعلومات للمحلل، فنظر إليها باستغراب، لم يكن يتوقع الإجابة، وقال: “لقد أجاب مالتيفاك على السؤال الأول بقوله أن مصدر النكات الحقيقي هو فضائيين.”
تفاجأ السياسي: “غير معقول، كيف؟”
وأكمل المحلل: “هذه النكات توضع في رؤوس الناس من غير أن يعلموا بذلك، ومن خلال سردها على الناس يقوم الفضائيون بدراسة السيكولوجية البشرية، نحن كالفئران في متاهة، نحن لا نعلم أن التجربة تقام علينا. فالفضائيين بالنسبة لنا كما نحن بالنسبة للفئران.”
سأل السياسي: “من يصدق هذا الكلام، لا معنى له أبدا، ما هو السؤال الثاني الذي سألته؟”
فأجاب السيد الأعظم: “ما هو تأثير اكتشاف الإجابة على البشرية؟”
نظر المحلل في الأوراق وقال: “المالتيفاك يقول أنه لو اكتشف حتى شخص واحد سر التجربة السيكولوجية على عقل الإنسان، فسوف يوقف الفضائيين التجربة نهائيا، وسيقومون بتجربة أخرى.”
السياسي: “هل تقصد أنه لن تكون هناك نكات جديدة؟”
المحلل: “لا، مالتيفاك يقول من الآن… ابتداء من الآن.[:] ستكون هناك أساليب جديدة”
السيد الأعظم: “المالتيفاك صحيح، ما قاله هو صحيح، لا أستطيع أن أتذكر نكتة، ولا واحدة، ولو قرأتها في كتاب لن أضحك مرة أخرى.”
سكت الجميع، وشعروا أن العالم أصبح صغيرا، وكأنما كانوا في متاهة الفأر، وتداركوا أن المتاهة سوف تتغير.
ناسا والبحث عن الكواكب التي تشابه الأرض
لا تقتصر طرق معرفة وجود كواكب قابلة للحياة على فكرة ستار شوت، ففي حلقة “التلسكوب كبلر والسنة الضوئية” تحدثت عن التلسكوب الذي تستخدمه ناسا لاكتشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية، وقد كشفت التحليلات باستخدامه أن المجرة مليئة بمجاميع شمسية متعددة، وأن مجموعتنا الشمسية لم تعد وحيدة في الكون أو في المجرة بالخصوص. بل إن الإحصائيات تدل على أن هناك المليارات من المجاميع الشمسية، وقد يكون هناك المليارات من الكواكب القابلة للحياة.
المشكلة التي تواجه العلماء حاليا هي كيفية معرفة تفاصيل معلومات هذه الكواكب، فهي تبعد عنا عشرات ومئات وآلاف السنوات الضوئية، فكيف يمكن للعلماء الكشف عن أجوائها، أو الغازات التي تحيط بها أو مكوناتها؟
بالإمكان معرفة الكثير من المعلومات عن طريقة تحليل الضوء المنعكس أو الصادر منها، فحتى وإن بعدت هذه الكواكب آلاف السنوات الضوئية بإمكان العلماء معرفة بعض مكوناتها من خلال تحليل طيف الضوء الذي ينعكس منها من ضوء النجم الذي تدور حوله، أو حتى من الحرارة العالية التي يصدرها الكوكب نفسه.
هناك مشكلة أساسية في استقبال الأضواء من الكواكب، وهي أن النجم التي تدور حوله نوره شديد جدا بحيث لا نستطيع أن نستقبل أضواء الكواكب ذاتها، حتى تلسكوب كبلر يعتمد على هذه الخاصية لمعرفة وجود كواكب حول النجم، لأذكركم بطريقة عمله، لنفترض أن هناك نجمة بعيدة جدا، سنرى ضوءها باستخدام التلسكوب كبلر، ولكن لو كان هناك كوكبا ما يدور حولها، ويمر من أمامها، فإنه سيغطي الضوء الصادر من النجمة، فإن خفت الضوء قليلا، وكان هذا الإخفات دوري، ذلك يعني أن هناك كوكب يدور بصفة دورية حول النجم، وكلما يمر من أمامها ينخفض الضوء. ونكتشف وجوده، إذن هذه هي الفكرة.
نعود للمشكلة، نحن نستدل على النجم نعتمد على انخفاض وارتفاع نوره دوريا، ولكن كيف لنا أن نرى نور الكوكب نفسه، فمهما كان نوره قوي، لحرارة ذاتيه أو لانعكاس، فسوف يغرق هذه الضوء في وسط ضوء النجم، كالذي يشغل المصباح في وضح النهار، لن يكون له أي تأثير في ظل وجود نور الشمس.
ناسا الآن تعمل على تلسكوبين لحل هذه المشكلة، الأول ستار شيد أو ظل النجم (StarShade)، وهو عبارة عن قطعتين، الأولى هي التلسكوب الذي سيلتقط الضوء الصادر من المجموعة النجمية، والقطعة الثانية ستكون ستارة على شكل عباد الشمس، وتقوم هذه بتغطية ضوء النجم للسماح بالضوء المنعكس أو الصادر من الكوكب بالوصول إلى التلسكوب، يذكرني ذلك بالطريقة التي استطاع فريق السير آرثر إيدنغتون من إثبات نظرية آينشتاين النسبية العامة، حيث انتظر إلى أن غطى القمر الشمس في كسوف، ثم استطاع أن يرى ضوء النجوم من خلف الشمس بعد التوائه حوله.
اللقطة التالية تبين كيفية عمل التلسكوب، بصراحة فكرة مدهشة، ستطلق المكونات في صاروخ إلى أن يصل إلى الفضاء، فيخرج التلسكوب، ثم بعد ذلك ينطلق عباد الشمس متباعدا عنه، وينفتح كالوردة، ويبقى التلسكوب موجها إلى مكان الوردة، والتي ستسافر عشرات الآلاف من الأميال، إلى المكان الذي ستغطي به ضوء النجم، حتى يرى ما حولها.
لا أستطيع أن أتخيل مدى الدقة التي وصل إليها العلماء لتكوين هذا التناغم بين القطعتين، شيء يشيب له الرأس.[:] شاهد اللقطة، ستشرح تفاصيل فصل ضوء النجم عن ضوء الكوكب، خيال!
كذلك فإن ناسا تعمل على تكنولوجيا أخرى تعتمد على صناعة مرآة متغيرة السطح، سيكون عليها الملايين من المكابس الصغير التي تغير تضاريس المرآة بشكل ميكروي، وحينما يسقط عليها أضواء مختلفة من النجم والكواكب، سيقوم الكمبيوتر على تحليل الأضواء، ثم التعديل على المرآة نقطة بنقطة بحيث يتوافق سطح المرآة مع الضوء الساقط عليها من الكواكب، وبذلك يتم التخفيف من ضوء النجم.
اللقطة التالي تبين هذا الشيء، تكنولوجيا يشب لها الرأس مرتين. بمجرد أن يصل ضوء الكواكب ستتمكن ناسا من معرفة مكونات الأجواء، من غازات مختلفة، وبذلك يمكننا معرفة وجود الماء، والغازات المهمة لتكون الحياة، ثم بعد ذلك تقدير تأهل الكوكب للحياة. بين الطموح والتحديات
مشروع “ستارشوت” لا يزال في طور العصف الذهني، فالمؤتمر الذي أقيم من أجله يهدف إلى جذب أنظار العلماء والمهندسين للمشاركة في تطويره، المصاعب الهندسية لإنجاحه هي كثيرة، وقد أدرجت 25 مشكلة أساسية تواجه المشروع على صفحة الإنترنت المخصصة له، وبالرغم من وجود مصاعب إلا أن الأسس العلمية لهذا المشروع هي صحيحة وراسخة، وبجهود العلماء والمهندسين سيتم التغلب عليها.
كنت أتناقش مع صديقي العزيز عايد العجمي، وهو صاحب البودكاست SciTalk، استمعوا له، فهو بودكاست جدا جميل، ذكرني بنقطة مهمة، نحن نتحدث عن مشروع لم يبدأ بعد، هو مجرد عصف ذهني، ولكن تخيل أن قبل 50 عاما كان هناك عصف ذهني لإنشاء مرصد لايغو، الذي اكتشف الموجات الجاذبية نهاية السنة الماضية، كان مجرد فكرة على ورق، ثم أصبحت حقيقة، واكتشفت الموجات، وفي السنة القادمة سيحصل العلماء على جائزة النوبل.
إن نجح المشروع، فإن إرسال مسابير بهذه الطريقة سيكون غزوا حقيقيا للفضاء، بعد أن كنا نرسل المسابير الكبيرة والمكلفة واحدة كل عدة أعوام مرة، ستتمكن المسابير المنخفضة التكاليف والكثيرة من الانتشار في الكون بسرعة، وستستكشفه بنطاق أوسع، وسنرى أشياء لم نحلم برؤيتها من قبل.
إن نجح المشروع سيكون بإمكان الجيل الجديد أن يرى النتائج في نهايته، شيء رائع!