٤.٥.٣٤ - قصة إبراهيم عليه السلام
ولد إبراهيم عليه السلام ونشأ وترعرع بين قوم يعبدون الأصنام. ولما كبر، آتاه الله الرشد والحكمة، وهداه إلى الحق فعرف أن الله واحد قد خلق الكون كله، وأدرك أن الأصنام التي يعبدها قومه لا تفيد : فهي حجارة خرساء، لا تتكلم، وعمياه لا ترى وصماء لا تسمع، فكيف يعبدها؟ هو يملك العقل والبصر والسمع واللسان، وهي لا تملك شيئا واختاره الله لنشر الدين الصحيح وجعله رسولا يدعو قومه ويهديهم إلى الله.
الدعوة إلى الله
ها هو إبراهيم، يذهب ليبلغ ويبين للناس، أن الله وحده هو الرب، وهو الإله، وهو الذى يجب أن يعبد وحده، وأن تترك عبادة الأصنام كلها ، لأنها لا تملك نفعا ولا ضرا.
دعوته لأبيه
ذهب إبراهيم إلى أبيه، وحدثه بكلام جميل، وقال له: يا أبت.. أنا ابنك، وقد جعلني ربي رسولا، وأعطاني من العلم والمعرفة شيئا كثيرا . وهذه الأصنام لا تفيدنا، ومن عبدها فإنما يعبد الشيطان، وسينتهي به الأمر إلى العذاب الشديد، والعقاب الأليم يوم القيامة، فارجع يا أبت عن هذه الأوثان، ولا تعبد إلا الله رب العالمين.
غضب وحلم ولا عرض إبراهيم هذه الدعوة على والده، غضب وأبى أن يسمع كلامه، وقال له محتجا: أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم أي: أتريد ترك عبادتنا ؟ لئن لم ترجع إلى عبادة الأصنام لأقتلنك، فاهجرني، وابتعد عني ، واحذر سخطي وغضبي . ولم يكن من إبراهيم، إلا أن قابل تهديد والده بنفس مطمئنة . وأجابه : سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا * وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وودعه وانصرف، وهو حزين على كفر أبيه، وعاد إلى قومه بعد أن ترك أباه وتابع دعوته إلى الحق بصبر وحلم.
تحطيم الأصنام
أراد إبراهيم أن يري الكفار بأعينهم أن الأصنام لا تنفع، فذهب إلى مكان عبادتهم الذي يحوي الأصنام - وكان المعبد خاليا من الناس وأخذ أول الأمر يسخر من الأصنام قائلا: ﴿ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون﴾ ثم حمل فأسا، وبدأ يضرب الأصنام يمنة ويسرة. وحطمها إلا واحدا. علق برأسه الفأس ، ثم خرج ولما دخل الناس المعبد، ورأوا هذا ، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ وقال بعضهم: سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم !!. لقد عرفناه، إذن هلموا إليه، لنعاقبه على ذنبه الكبير.
اغتنام الفرصة
وأتوا بإبراهيم وجمعوا الناس وإنها مناسبة جيدة، فرح بها إبراهيم - عليه السلام- لأنه يستطيع الآن دعوة الناس المجتمعين . وبعد أن شاهدوا سخافة ما يعبدونه . بدأ السؤال والمحاكمة . قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ! ونظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: ﴿لقد علمت ما هؤلاء ينطقون وهنا أثبتوا فشلهم وعجزهم عن نكران الحقيقة. لقد اعترفوا أن الحجارة لا تنطق، ولا تستطيع عمل أي شيء.
هذه طريقي
وعندها نطق إبراهيم قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون إنهم لا يفكرون ولا يعقلون.. ولقد بين لهم إبراهيم - عليه السلام- دعوته، وأنه يجب على كل إنسان أن يؤمن بالله، ويعبد الله، ولا يدعو إلا الله.. ولكن لم تنتفع قلوب القوم بل خافوا على مكانتهم قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين، لقد قرروا أخيرا، أن يلقوا إبراهيم إلى النار ؛ لكي يموت، وذنبه أنه مؤمن بالله وحده.
النار لا تؤذيه
وألقوا إبراهيم في النار بعد إشعالها لكنه لم يخف؛ لأنه قوي الإيمان وسينقذه الله.. وها هو الأمر ينزل من السماء قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وتنطفئ النار دون أن تؤذي إبراهيم ويتعجب الناس!! ويخجلون من موقفهم المخزي، وصدق الله وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين).
مع النمروذ
وسمع الملك به، وطلبه إلى قصره، وسأله: من هذا الإله الذي تدعونا إليه؟ أهناك رب غيري؟ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت فقال النمروذ أنا أحيي وأميت أي: أقتل من أشاء وأعفو عمن أشاء وهنا يبرز ذكاء إبراهيم - عليه السلام فها هو ذا يسأل النمروذ سؤالا صعبا. يكشف به - أمام الناس - كذب النمرود فيقول له: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب أي: من يحيي ويميت يقدر على ما هو دون ذلك، وحتما لا يستطيع النمروذ ونظام الشمس ثابت بيد الله وحده، وهنا ظهر كذب الملك، وخاف، وأمر إبراهيم أن يترك البلاد إلى بلاد أخرى بعيدة.
يعبدون النجوم
وتوقف إبراهيم - عليه السلام - عند قوم يعبدون النجوم، وأحب أن يتبع معهم أسلوب المناقشة والحوار، لكي يتركوا عبادة النجوم، فصعد مكانا مرتفعا . ( والناس يرونه، ونظر إلى السماء، فرأى كوكبا فصرخ فنادى : هذا ربي إنه جميل، وأبدى إبراهيم فرحه أمام الكفار. وبعد قليل.. اختفى الكوكب، فأبدى حزنه وقال: لقد اختفى الإله إذن ليس الكوكب إلهي، فالإله لا يغيب.. وفتش عن إله غيره. ولفت نظره حجم القمر، إنه أجمل وأكبر. ونادى من جديد : ها هو ذا ربي .. إنه أكبر وأجمل، وهذا لن يختفي. ولكن القمر لم يسمع كلام إبراهيم، وغاب في الصباح. وأظهر إبراهيم حزنه من جديد، وخرجت الشمس تسطع صباحا ، فقال: إنها أكبر من القمر، وهذه لن تغيب مثل الكوكب والقمر، وانتظر حتى المساء، لكنها غابت
وعندها بين إبراهيم - عليه السلام - للناس الحقيقة، وقال : ( الكوكب غاب واختفى، والقمر ذهب ولم يعد والشمس رحل نورها الآن إذن فمن الإله الحقيقي؟ إنه الله، إنه خالق الكوكب والقمر والشمس وخالق الكون كله وفرح وصرخ وصاح لقد عرفت يا ربنا، أنك أنت الله. أنت ربي لا إله إلا أنت، وأنت لا تغيب أبدا، وأنت معي، لأنني مؤمن، وأنت تحب المؤمنين ).
هجرة إبراهيم إلى مكة
ترك إبراهيم بلاده، وسار مع زوجته هاجر، وولده الصغير إسماعيل إلى مكة التي لم يكن فيها ماء ولا زرع ولا شجر، وهناك ترك أسرته الصغيرة، ورجع إلى مكانه الأول الذي جاء منه. ونفد طعام الأسرة، وبكى الصغير من الجوع والعطش، فأخذت والدته تركض هنا وهناك، تبحث عن نبع ماء وعندما عادت إلى طفلها، وجدته يضرب الأرض برجليه الصغيرتين، ثم رأت الماء يخرج من بين الصخر والحجارة، ثم سال الماء غزيرا، فسقت الأم طفلها وشربت واجتمع الناس حول ذلك الماء ) بئر زمزم ( وقدروا أن يعيشوا عند ذلك المكان.
ورجع إبراهيم بعد مدة إلى أسرته الصغيرة. وفي ذلك المكان الذي نبع فيه الماء، أمره الله سبحانه وتعالى أن يقوم ببناء الكعبة مع ابنه إسماعيل، فرفعا قواعد أول بيت عبد الناس فيه الله عز وجل . قال تعالى: ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم )