×

LingQをより快適にするためCookieを使用しています。サイトの訪問により同意したと見なされます クッキーポリシー.


image

مقابلة مع الفيزيائي شون كارول – عربي Sean Carroll interview, مقابلة مع الفيزيائي شون كارول – عربي (3)

مقابلة مع الفيزيائي شون كارول – عربي (3)

محمد: سأسألك عن شيء يحب أن يسمعه بعض أصدقائي المختصين في الفلسفة وهو أن العلم لا يثبت شيئا، وقد ذكرت هذا الشيء في الكتاب عدة مرات، “العلم لا يثبت شيئا،” على الأقل ليس بالطريقة التي تثبت بها المبرهنات الرياضية، أنا أعرف أنها ليسا ذات الشيء، ولكننا نستخدم كلمة “إثبات” لنقول أن تجربة ما أثبتت نظرية ما أو فرضية ما، كيف تقول أنها لا تثبت شيئا؟

شون: نعم، واحدة من الأشياء التي أتحدث عنها في الكتاب هي أناس مختلفين وسياقات مختلفة تستخدم كلمة إثبات لتعني أشياء مختلفة، ولذلك أنا أستخدم نسخة صارمة منه للتأكيد على الاختلافات بين ما يقوم به العلماء وما يقوم به المنطقيون والرياضيون. حينما يثبت الرياضيون مبرهنة، كما أثبت توماس بيز مبرهنته، هناك 0 قدر من الشك أن المبرهنة خاطئة إذا قبلت فرضيات النظرية، حينما أثبت أقليدس مبرهنة فيثاغورس، بمعطيات بديهيات الهندسة الإقليدية إنها صحيحة، ليس هناك محل للشك، ولكن في العلم نحن لا نعلم ما هي البديهيات، ولن نعلمها، ولكن أفضل ما نستطيع أن نقوم به هو جمع أدلة أكثر وأكثر، لزيادة احتمالات ادعاء معين على أنه صحيح أو غير صحيح.

المثال الكلاسيكي على ذلك أننا لا نعرف أن الشمس سوف تشرق من الشرق غدا، نحن نعتقد أننا متأكدون، وأن الاحتمال الأكبر أنها ستحدث، ولكن بإمكاننا أن نتخيل سيناريوهات بموجبها لا تحدث. إذن العلم لا يصل إلى مستوى اليقين 100% كما تستطيع أن تتخيله في المنطق أو الرياضيات.

محمد: ربما لا يصل العلم إلى ذلك المستوى الذي يدعي أننا متأكدون 100%، ولكنه يقول لك أننا متأكدون 100% مع وجود نسبة من الخطأ، إذن هو يخبرك مجال تطبيقه أو صحته، أليس ذلك دليلا كافيا؟

شون: أنا لن أقول أبدا أنه مؤكد 100% في أي شيء، كما ذكر ديكارت في الماضي، قد يكون وأن شيطانا شريرا يسخر منا، حيث يخبرنا أن كل معلوماتنا الحسية ليست صحيحة، وفي نسختنا المعاصرة قد نكون أدمغة في وعاء متعرضة لمحفزات خاطئة عن العالم الخارجي، سأعطي هذه الحالات احتمالات منخفضة جدا جدا، وهذا شيء مقبول، هذه هي طريقة عمل العلم، العلم يستطيع أن يقول إن الشيء صحيح بثقة 99.9%، ولكن لن أسمي هذا إثبات الشيء بنفس الطريقة التي يثبت بها الرياضي الأشياء.

محمد: كيف يكون ذلك مختلفا عن شخص يؤمن بالأفكار الميتافيزيقية؟ ليس لديهم إثباتات، ويستطيعون أن يقولوا لك: “بما أن العلم ليس لديه الإثبات وكذلك نحن، فماذا لا تتقبل أفكارنا؟”

شون: كلها ترجع إلى المنطق البيزي، كلها ترجع لمحاولة تبيان أن أفكارك هي خاطئة، وهذا ما يفعله العلماء، من الضروري أن لا تعتقد أن العلم هو 100% واثق، بالنسبة مبرهنة بيز فإنك لو كنت واثقا 100%، فلا يمكن لأي معلومة جديدة أن تغير فكرك، وهذه ليست هي طريقة عمل العلم، العلم مفتوح دائما ليغير “تفكيره” حينما تأتي معلومات جديدة، وإذا أخذت هذه المعلومات الجديدة، وعدلت على إيمانياتك بأسلوب مناسب، ستقترب أكثر فأكثر لكيفية عمل العالم.

محمد: حسنا، إذن، أود أن أسألك سؤالا يتحدى النظرية الجوهرية، لنرجع إلى النظرية الجوهرية، في الكتاب تتحدث عن الروح، وأنها غير موجودة، وإذا أثبت أحدهم أن الروح موجودة، سيكون هناك تأثير على النظرية الجوهرية، لندع الروح جانبا لأننا لا نعرف شيئا عنها، لنتكلم عن شيء نحن نعرفه وهو الوعي، نحن نعرف أن الوعي موجود بديهيا، إنه في أذهاننا، نحن نرى تلك الصور في رؤوسنا… “المسرح الديكارتي”، ونحن نعلم جميع الجسيمات في النظرية الجوهرية على سبيل المثال، ولدينا كل الأجهزة التي تستطيع قياس كل هذه الجسيمات، ونحن نعرف كيف نخلقها، ولكن حينما نفكر، أو حينما نتخيل صورا، ليست هناك جسيمات خارجة من المخ نستطيع كشفها لنقول أن هذه الصور التي نراها هي من ضمن الجسيمات الجوهرية أو نظرية حقل الكمومي، ما الذي يحدث في هذه الحالة؟ هل هذا يكسر النظرية الجوهرية؟ هل الوعي والذي هو جزء من حياتنا اليومية ليس مشمولا بالنظرية الجوهرية؟

شون: أعتقد أنه مشمولة بامتياز في النظرية الجوهرية، بالطبع فإن الجميع لا يتفقون على ذلك، لا ندعي أننا نفهم الوعي بشكل قاطع، بالتأكيد، ما أحاول أن أفعله في الكتاب هو جعل الناس تقدر هول أي ادعاء يريدون ادعاءه حتى لا يقولوا أن عدم قدرتنا على فهم الوعي يقودنا لكسر أو إضافة أو تعديل قوانين الفيزياء على مستوى عميق بطريقة ما، بالنسبة لي إن هذا الشيء هو ذاته كنمذجة الهواء على الكمبيوتر، تستطيع أن تنمذج الجسيمات ولكن الكمبيوتر لن يخبرك أن الهواء حار، أو أنه سيوصف بمعجم يحتوي على الحرارة والضغط، بنفس الطريقة، تستطيع أن تصف كل الجسيمات في المخ من إلكترونات وبروتونات ونيترونات، ونستطيع أن نصف ما تفعله، وهذه المعلومات لن تقول لك أن المخ هو واعي ومفكر ومدرك لذاته، ولكنه لن يمنعه من أن يكون حقيقيا في نفس الوقت، إنها طريقة أفضل لوصف النظام المنبثق على مستوى مبثق من الوصف.

محمد: يبدو أنه من الصعب فهم إمكانية توضيح الوعي باستخدام الجسيمات المادية التي نعرفها حاليا، أظن أنك تعتقد أنه هذه هي ظاهرة منبثقة، لست متأكدا…

شون: أعتقد ذلك، عليك أن تضع شيئين في الاعتبار، أولهما، بالطبع أنه سيكون صعبا فهم الوعي، إنه أحد أصعب الأشياء التي نعرفها في الكون، سيكون مفاجئا لو كان سهل الفهم، ثانيا، تغيير القوانين الفيزيائية لن يساعدك بأي طريقة واضحة، لقد حاول الناس، فكروا بمسائل عميقة عن الوعي، فكيف لدينا تجارب داخلية وهي نوعا ما شخصية مباشرة، وطبيعتها “الشخص الأول”، كيف يمكن أن نصفه عن طريق جسيمات تصطدم ببعضها؟ ولكن تغيير القوانين الفيزيائية لا يبدو أنه يساعدنا في هذا السؤال، أظن -في النهاية – سنفهم ما يفعله المخ أكثر فأكثر، وسوف يضمحل هذا السؤال، سنقول: نعم، حينما يمر الإنسان بنوع من التجربة الشخصية لوعي إدراكي، فإن هذا ما يحدث للمخ في ذلك الوقت، والسابق هي طريقة للتحدث عن اللاحق.

محمد: حسنا لنتحدث العوالم المتعددة، وهو الشيء تحدثت عنه بإسهاب في كتابك السابق، هل من الممكن أن تحدثنا العوالم المتعددة لو سمحت؟

شون: نعم، إنه اسم سيء لنظرية جيدة، أنا لا أمانع الاسم، أنا أستخدمه شخصيا، ولكنه سيعطي الناس انطباعا خاطئا بالتأكيد، فكرة العوالم المتعددة ترجع إلى ميكانيكا الكم حيث لدينا أشياء نشاهدها مثل غزل الإلكترون، الإلكترون يدور مع عقارب الساعة أو ضد عقارب الساعة، وهي حقيقة مُلاحَظة في الطبيعة، بإمكان الإلكترون أن يكون في حالة من المستحيل التنبؤ بها بتيقن، مثل ما إذا كان سيدور مع أو ضد عقارب الساعة، ولكن بإمكاننا معرفة احتمالات استدارتها في وجهة أو أخرى، ولما تنظر لها سترها تدور في إحدى الوجهات، لن تراها في حالة تراكب، هذه هي الغرابة في ميكانيكا الكم، إنها تقول أنه حينما لا تنظر إليها ستكون في حالة من تراكب الاستدارة مع وضد عقارب الساعة، ولكن حينما تنظر لها ستراها في حالة واحدة. إحدى طرق التفكير بها – الأسلوب التقليدي – هي أن حالة الإلكترون تنهار من تمازج بين الحالتين إلى حالة واحدة مؤكدة.

أما نظرية العوالم المتعددة تقول أن الاحتمالين يتحققان، وقد كان الإلكترون قبل وبعد في حالة من التراكب في الاستدارة مع عقارب الساعة وضدها، ولكنك أنت أيضا كنت في حالة خاصة حينما نظرت إلى الإلكترون، وأنت الآن في حالة من التراكب بحيث رأيت الإلكترون يدور مع عقارب الساعة، وكذلك رأيت دورانه عكس عقارب الساعة، هذا هو تنبؤ مباشر من المعادلات الكامنة في الميكانيكا الكمية، ومن معادلات شرودنجر، والتي تحكم تطور الحالات الكمية.

المشكلة أن الناس لا تحبها، الناس لا تود أن تصدق عواقب المعادلة، لذلك فهم يعملون بجدية لإلغاء كل الاحتمالات الأخرى من الواقع.

محمد: أين تذهب هذه الأكوان؟ لماذا لا نستطيع أن نراها؟

شون: إنها لا تذهب إلى أي مكان، إنها لا تزال موجودة.

محمد: أقصد أين هي؟ هل هي في أبعاد مختلفة؟ هل تنفصل في أبعاد مختلفة؟

شون: السؤال، “أين هي؟” مستشكل، حيث يفترض وجود مكان لها، نحن نصف العالم في الميكانيكا ليس من خلال القول بأن هناك أشياء واقعة في المكان، إنما هناك فضاء مجرد مكون من الاحتمالات، اسمه فضاء هيلبيرت، وهو مكان وجود الدالة الموجية، وهو حيث تتطور، وفي مغزى آخر هذه العوالم الأخرى وهذه الاحتمالات المنشقة للدالة الموجية للكون تعيش في فضاء هليبيرت، الطريقة الأكثر تعقيدا لشرح ذلك هي من الناحية الرياضية، لكل حالة من حالات الكون وفي أي وقت يشتمل على كل هذه الاحتمالات.

محمد: هل هذه الأكوان تخلق كلما قمنا بقياس موقع الإلكترون؟

شون: نعم، إنها تتكون دائما.

محمد: ماذا عن قانون حفظ الطاقة؟ ألا يتعارض ذلك معه؟ لأنك تخلق المادة من.. من. من أين تأتي الطاقة؟

شون: ما يحدث هو أنه كلما يتفرع العالم، فإن الجزء من الكون كله الذي يحتوي على كل الأفرع الذي يعطى لأي فرع ينخفض، مثل أن تقطع قطعة من الخبز إلى نصفين، فإن كمية الخبز لا تزداد، لا يزال هناك قانون حفظ الخبزة، أحدهما في أحد النفصين، والآخر في النصف الآخر، والشيء ذاته صحيح لميكانيكا الكم، هناك تفرعات أكثر وأكثر، ولكن كل فرع لديه جزء من الكون، وهو أصغر وأصغر.

محمد: لماذا تعتبر العوالم المتعددة أكثر عقلانية لديك من تفسير كوبهاغن؟

شون: أعتقد أنها معرّفة بشكل أفضل، تفسير كوبنهاغن، هو منظور تقليدي أُسس له في العشرينيات والثلاثينيات عن طريق نيلز بور ووارنر هايزنبيرغ وآخرين، إنه ضبابي بشكل محبط، ومعرف بسوء، إنه يتصور أن هناك عالم كلاسيكي، حيث نعيش أنا وأنت، وهناك عالم كمي حيث تعيش الجسيمات فيه على المستوى الميكروسكوبي، والقياسات والملاحظات هي ظواهر تنطوي بالضرورة على تقاطع بين العالم الكلاسيكي والعالم الكمي، وهي لا تخبرك متى تحدث هذ القياسات، ومتى تنهار الدالة الموجية، وماذا يعتبر قياسا.. إلخ.

إذن، إنها لا ترتفع إلى المستوى الذي يعطيك نظرية فيزيائية محترمة، والعوالم المتعددة تعطيك ذلك، إنها واضحة وصريحة، قد لا تكون صحيحة، مرة أخرى، مثل البيزي الجيد، قد تكون هناك احتمالات أخرى، والتي من الممكن أن تكون صحيحة، ولكن العوالم المتعددة ليست غامضة فيما يحدث حينما يتطور الكون ويتغير.

محمد: بالنسبة لي، كلاهما يبدوان غامضين، لأنه بالرغم من محاولتك لجعلها عالما كلاسيكيا إلا أنك قسمتها إلى عدة عوالم كلاسيكية لا ترى أو لتقاس أو لتفهم، ولا تستطيع أن تعرف في أي عالم ستكون، إنها مربكة بنفس الدرجة.

شون: نعم، ذلك صحيح، ولكن هذا ما تخبرنا به المعادلات، وهي المعادلات أختبرت بشكل جيد.

محمد: حسنا، أيها حصل على اتفاق من العلماء؟ أي التفاسير أكثر قبولا؟

شون: لا يوجد اجماع، الفيزيائيون المهنيون لا يفكرون بهذا الموضوع بعمق، تستطيع أن تعيش حياتك بافتراض أن هناك قواعد أساسية تعطيك الإجابات الصحيحة في ميكانيكا الكم، من غير التفكير بعمق في أسس الموضوع.

محمد: هنالك سؤال آخر، ذكرت في نقطة ما في الكتاب، أنك تستطيع أن تحصل على المعاجز في ميكانيكا الكم، ولكنها نادرة جدا، أو أنها باحتمالية ضئيلة تحدث، على سبيل المثال، تحول الخمر إلى دم كما في المسيحية، ولكن إن استطعت أن تضع العديد من المجربين في الكون، فلن يتحول الخمر إلى دم حتى لو كان لديهم عمر الكون كله، ولكن لو أخذنا تفسير العوالم المتعددة، فإن العالم سوف ينشق إلى درجة أن على الأقل واحدة من تلك العوالم تحتوي على خمر يتحول إلى دم، لماذا لا يكون هذا الكون هو كوننا، وأن المعجزات يمكنها أن تحدث؟

شون: من الممكن أن تكون، ولكنها كلها موجودة، إذا كنت ستعتمد على تفسير العوالم المتعددة، لابد أن تكون منصفا، هناك عوالم كثيرة جدا جدا جدا، وفي جزء هائل جدا منها فإن هذه الاحداث لا تحدث.

محمد: أنت تقول لأنه هناك عدد قليل منها، لذلك لا يجب علينا أن نكترث أن واحدة أو اثنتان منها حصل فيها هذا الشيء؟

شون: نعم، لا أدري لماذا تكترث، هناك أشياء أكثر غرابة تحدث في الكثير من تلك العوالم، حينما يقول أحدهم أن لديه عملة، وسيقوم بتقليبها، وسيقلبها مئة مرة، وإذا هبطت على الكلمات في كل مرة، سيعطيك دولارا، وإذا هبطت على الصورة ولو مرة واحدة أنت تعطينه دولارا، ومن الغباء أن تقول: “حسنا، بما أنه من الممكن أن يحدث هذا الشيء إذن سأراهنك”، يجب عليك أن تتبع الاحتمالات كما تفرض النظريات …

محمد: لا، لا أنا أفهم ذلك، لنقل أننا نحن في ذلك العالم الذي تحول فيه الخمر إلى دم…

شون: لماذا تقول ذلك؟

محمد: لماذا لا نقول ذلك؟ إنها إحدى العوالم.

شون: نعم، ولكنه جزء بسيط جدا جدا جدا من العوالم.

محمد: أعتقد أنني سوف أنهي النقاش عند هذه النقطة، عند هذه النقطة المربكة بالنسبة لي على الأقل، وسأطلب من المستمعين أن يتوجهوا لشراء الكتاب وقراءته، لأنه أكثر عمقا من… هذا النقاش لم يشتمل على جميع الأفكار التي يحتويه، وهو كتاب رائع، استمتعت بقراءته.

شكرا لك شون لهذه الفرصة.

كان معنا اليوم شون كارول بروفيسور في الفيزياء النظرية من معهد كاليفورنيا للتقنية، شكرا كثيرا.

مقابلة مع الفيزيائي شون كارول – عربي (3) Interview mit dem Physiker Sean Carroll – Arabisch (3) Interview with physicist Sean Carroll - Arabic (3) Entretien avec le physicien Sean Carroll - Arabe (3) Interviu su fiziku Šonu Keroliu – arabų kalba (3) Interview met natuurkundige Sean Carroll - Arabisch (3) Entrevista com o físico Sean Carroll - Árabe (3) Fizikçi Sean Carroll ile röportaj – Arapça (3)

محمد: سأسألك عن شيء يحب أن يسمعه بعض أصدقائي المختصين في الفلسفة وهو أن العلم لا يثبت شيئا، وقد ذكرت هذا الشيء في الكتاب عدة مرات، “العلم لا يثبت شيئا،” على الأقل ليس بالطريقة التي تثبت بها المبرهنات الرياضية، أنا أعرف أنها ليسا ذات الشيء، ولكننا نستخدم كلمة “إثبات” لنقول أن تجربة ما أثبتت نظرية ما أو فرضية ما، كيف تقول أنها لا تثبت شيئا؟

شون: نعم، واحدة من الأشياء التي أتحدث عنها في الكتاب هي أناس مختلفين وسياقات مختلفة تستخدم كلمة إثبات لتعني أشياء مختلفة، ولذلك أنا أستخدم نسخة صارمة منه للتأكيد على الاختلافات بين ما يقوم به العلماء وما يقوم به المنطقيون والرياضيون. حينما يثبت الرياضيون مبرهنة، كما أثبت توماس بيز مبرهنته، هناك 0 قدر من الشك أن المبرهنة خاطئة إذا قبلت فرضيات النظرية، حينما أثبت أقليدس مبرهنة فيثاغورس، بمعطيات بديهيات الهندسة الإقليدية إنها صحيحة، ليس هناك محل للشك، ولكن في العلم نحن لا نعلم ما هي البديهيات، ولن نعلمها، ولكن أفضل ما نستطيع أن نقوم به هو جمع أدلة أكثر وأكثر، لزيادة احتمالات ادعاء معين على أنه صحيح أو غير صحيح.

المثال الكلاسيكي على ذلك أننا لا نعرف أن الشمس سوف تشرق من الشرق غدا، نحن نعتقد أننا متأكدون، وأن الاحتمال الأكبر أنها ستحدث، ولكن بإمكاننا أن نتخيل سيناريوهات بموجبها لا تحدث. إذن العلم لا يصل إلى مستوى اليقين 100% كما تستطيع أن تتخيله في المنطق أو الرياضيات.

محمد: ربما لا يصل العلم إلى ذلك المستوى الذي يدعي أننا متأكدون 100%، ولكنه يقول لك أننا متأكدون 100% مع وجود نسبة من الخطأ، إذن هو يخبرك مجال تطبيقه أو صحته، أليس ذلك دليلا كافيا؟

شون: أنا لن أقول أبدا أنه مؤكد 100% في أي شيء، كما ذكر ديكارت في الماضي، قد يكون وأن شيطانا شريرا يسخر منا، حيث يخبرنا أن كل معلوماتنا الحسية ليست صحيحة، وفي نسختنا المعاصرة قد نكون أدمغة في وعاء متعرضة لمحفزات خاطئة عن العالم الخارجي، سأعطي هذه الحالات احتمالات منخفضة جدا جدا، وهذا شيء مقبول، هذه هي طريقة عمل العلم، العلم يستطيع أن يقول إن الشيء صحيح بثقة 99.9%، ولكن لن أسمي هذا إثبات الشيء بنفس الطريقة التي يثبت بها الرياضي الأشياء.

محمد: كيف يكون ذلك مختلفا عن شخص يؤمن بالأفكار الميتافيزيقية؟ ليس لديهم إثباتات، ويستطيعون أن يقولوا لك: “بما أن العلم ليس لديه الإثبات وكذلك نحن، فماذا لا تتقبل أفكارنا؟”

شون: كلها ترجع إلى المنطق البيزي، كلها ترجع لمحاولة تبيان أن أفكارك هي خاطئة، وهذا ما يفعله العلماء، من الضروري أن لا تعتقد أن العلم هو 100% واثق، بالنسبة مبرهنة بيز فإنك لو كنت واثقا 100%، فلا يمكن لأي معلومة جديدة أن تغير فكرك، وهذه ليست هي طريقة عمل العلم، العلم مفتوح دائما ليغير “تفكيره” حينما تأتي معلومات جديدة، وإذا أخذت هذه المعلومات الجديدة، وعدلت على إيمانياتك بأسلوب مناسب، ستقترب أكثر فأكثر لكيفية عمل العالم.

محمد: حسنا، إذن، أود أن أسألك سؤالا يتحدى النظرية الجوهرية، لنرجع إلى النظرية الجوهرية، في الكتاب تتحدث عن الروح، وأنها غير موجودة، وإذا أثبت أحدهم أن الروح موجودة، سيكون هناك تأثير على النظرية الجوهرية، لندع الروح جانبا لأننا لا نعرف شيئا عنها، لنتكلم عن شيء نحن نعرفه وهو الوعي، نحن نعرف أن الوعي موجود بديهيا، إنه في أذهاننا، نحن نرى تلك الصور في رؤوسنا… “المسرح الديكارتي”، ونحن نعلم جميع الجسيمات في النظرية الجوهرية على سبيل المثال، ولدينا كل الأجهزة التي تستطيع قياس كل هذه الجسيمات، ونحن نعرف كيف نخلقها، ولكن حينما نفكر، أو حينما نتخيل صورا، ليست هناك جسيمات خارجة من المخ نستطيع كشفها لنقول أن هذه الصور التي نراها هي من ضمن الجسيمات الجوهرية أو نظرية حقل الكمومي، ما الذي يحدث في هذه الحالة؟ هل هذا يكسر النظرية الجوهرية؟ هل الوعي والذي هو جزء من حياتنا اليومية ليس مشمولا بالنظرية الجوهرية؟

شون: أعتقد أنه مشمولة بامتياز في النظرية الجوهرية، بالطبع فإن الجميع لا يتفقون على ذلك، لا ندعي أننا نفهم الوعي بشكل قاطع، بالتأكيد، ما أحاول أن أفعله في الكتاب هو جعل الناس تقدر هول أي ادعاء يريدون ادعاءه حتى لا يقولوا أن عدم قدرتنا على فهم الوعي يقودنا لكسر أو إضافة أو تعديل قوانين الفيزياء على مستوى عميق بطريقة ما، بالنسبة لي إن هذا الشيء هو ذاته كنمذجة الهواء على الكمبيوتر، تستطيع أن تنمذج الجسيمات ولكن الكمبيوتر لن يخبرك أن الهواء حار، أو أنه سيوصف بمعجم يحتوي على الحرارة والضغط، بنفس الطريقة، تستطيع أن تصف كل الجسيمات في المخ من إلكترونات وبروتونات ونيترونات، ونستطيع أن نصف ما تفعله، وهذه المعلومات لن تقول لك أن المخ هو واعي ومفكر ومدرك لذاته، ولكنه لن يمنعه من أن يكون حقيقيا في نفس الوقت، إنها طريقة أفضل لوصف النظام المنبثق على مستوى مبثق من الوصف.

محمد: يبدو أنه من الصعب فهم إمكانية توضيح الوعي باستخدام الجسيمات المادية التي نعرفها حاليا، أظن أنك تعتقد أنه هذه هي ظاهرة منبثقة، لست متأكدا…

شون: أعتقد ذلك، عليك أن تضع شيئين في الاعتبار، أولهما، بالطبع أنه سيكون صعبا فهم الوعي، إنه أحد أصعب الأشياء التي نعرفها في الكون، سيكون مفاجئا لو كان سهل الفهم، ثانيا، تغيير القوانين الفيزيائية لن يساعدك بأي طريقة واضحة، لقد حاول الناس، فكروا بمسائل عميقة عن الوعي، فكيف لدينا تجارب داخلية وهي نوعا ما شخصية مباشرة، وطبيعتها “الشخص الأول”، كيف يمكن أن نصفه عن طريق جسيمات تصطدم ببعضها؟ ولكن تغيير القوانين الفيزيائية لا يبدو أنه يساعدنا في هذا السؤال، أظن -في النهاية – سنفهم ما يفعله المخ أكثر فأكثر، وسوف يضمحل هذا السؤال، سنقول: نعم، حينما يمر الإنسان بنوع من التجربة الشخصية لوعي إدراكي، فإن هذا ما يحدث للمخ في ذلك الوقت، والسابق هي طريقة للتحدث عن اللاحق.

محمد: حسنا لنتحدث العوالم المتعددة، وهو الشيء تحدثت عنه بإسهاب في كتابك السابق، هل من الممكن أن تحدثنا العوالم المتعددة لو سمحت؟

شون: نعم، إنه اسم سيء لنظرية جيدة، أنا لا أمانع الاسم، أنا أستخدمه شخصيا، ولكنه سيعطي الناس انطباعا خاطئا بالتأكيد، فكرة العوالم المتعددة ترجع إلى ميكانيكا الكم حيث لدينا أشياء نشاهدها مثل غزل الإلكترون، الإلكترون يدور مع عقارب الساعة أو ضد عقارب الساعة، وهي حقيقة مُلاحَظة في الطبيعة، بإمكان الإلكترون أن يكون في حالة من المستحيل التنبؤ بها بتيقن، مثل ما إذا كان سيدور مع أو ضد عقارب الساعة، ولكن بإمكاننا معرفة احتمالات استدارتها في وجهة أو أخرى، ولما تنظر لها سترها تدور في إحدى الوجهات، لن تراها في حالة تراكب، هذه هي الغرابة في ميكانيكا الكم، إنها تقول أنه حينما لا تنظر إليها ستكون في حالة من تراكب الاستدارة مع وضد عقارب الساعة، ولكن حينما تنظر لها ستراها في حالة واحدة. إحدى طرق التفكير بها – الأسلوب التقليدي – هي أن حالة الإلكترون تنهار من تمازج بين الحالتين إلى حالة واحدة مؤكدة.

أما نظرية العوالم المتعددة تقول أن الاحتمالين يتحققان، وقد كان الإلكترون قبل وبعد في حالة من التراكب في الاستدارة مع عقارب الساعة وضدها، ولكنك أنت أيضا كنت في حالة خاصة حينما نظرت إلى الإلكترون، وأنت الآن في حالة من التراكب بحيث رأيت الإلكترون يدور مع عقارب الساعة، وكذلك رأيت دورانه عكس عقارب الساعة، هذا هو تنبؤ مباشر من المعادلات الكامنة في الميكانيكا الكمية، ومن معادلات شرودنجر، والتي تحكم تطور الحالات الكمية.

المشكلة أن الناس لا تحبها، الناس لا تود أن تصدق عواقب المعادلة، لذلك فهم يعملون بجدية لإلغاء كل الاحتمالات الأخرى من الواقع.

محمد: أين تذهب هذه الأكوان؟ لماذا لا نستطيع أن نراها؟

شون: إنها لا تذهب إلى أي مكان، إنها لا تزال موجودة.

محمد: أقصد أين هي؟ هل هي في أبعاد مختلفة؟ هل تنفصل في أبعاد مختلفة؟

شون: السؤال، “أين هي؟” مستشكل، حيث يفترض وجود مكان لها، نحن نصف العالم في الميكانيكا ليس من خلال القول بأن هناك أشياء واقعة في المكان، إنما هناك فضاء مجرد مكون من الاحتمالات، اسمه فضاء هيلبيرت، وهو مكان وجود الدالة الموجية، وهو حيث تتطور، وفي مغزى آخر هذه العوالم الأخرى وهذه الاحتمالات المنشقة للدالة الموجية للكون تعيش في فضاء هليبيرت، الطريقة الأكثر تعقيدا لشرح ذلك هي من الناحية الرياضية، لكل حالة من حالات الكون وفي أي وقت يشتمل على كل هذه الاحتمالات.

محمد: هل هذه الأكوان تخلق كلما قمنا بقياس موقع الإلكترون؟

شون: نعم، إنها تتكون دائما.

محمد: ماذا عن قانون حفظ الطاقة؟ ألا يتعارض ذلك معه؟ لأنك تخلق المادة من.. من. من أين تأتي الطاقة؟

شون: ما يحدث هو أنه كلما يتفرع العالم، فإن الجزء من الكون كله الذي يحتوي على كل الأفرع الذي يعطى لأي فرع ينخفض، مثل أن تقطع قطعة من الخبز إلى نصفين، فإن كمية الخبز لا تزداد، لا يزال هناك قانون حفظ الخبزة، أحدهما في أحد النفصين، والآخر في النصف الآخر، والشيء ذاته صحيح لميكانيكا الكم، هناك تفرعات أكثر وأكثر، ولكن كل فرع لديه جزء من الكون، وهو أصغر وأصغر.

محمد: لماذا تعتبر العوالم المتعددة أكثر عقلانية لديك من تفسير كوبهاغن؟

شون: أعتقد أنها معرّفة بشكل أفضل، تفسير كوبنهاغن، هو منظور تقليدي أُسس له في العشرينيات والثلاثينيات عن طريق نيلز بور ووارنر هايزنبيرغ وآخرين، إنه ضبابي بشكل محبط، ومعرف بسوء، إنه يتصور أن هناك عالم كلاسيكي، حيث نعيش أنا وأنت، وهناك عالم كمي حيث تعيش الجسيمات فيه على المستوى الميكروسكوبي، والقياسات والملاحظات هي ظواهر تنطوي بالضرورة على تقاطع بين العالم الكلاسيكي والعالم الكمي، وهي لا تخبرك متى تحدث هذ القياسات، ومتى تنهار الدالة الموجية، وماذا يعتبر قياسا.. إلخ.

إذن، إنها لا ترتفع إلى المستوى الذي يعطيك نظرية فيزيائية محترمة، والعوالم المتعددة تعطيك ذلك، إنها واضحة وصريحة، قد لا تكون صحيحة، مرة أخرى، مثل البيزي الجيد، قد تكون هناك احتمالات أخرى، والتي من الممكن أن تكون صحيحة، ولكن العوالم المتعددة ليست غامضة فيما يحدث حينما يتطور الكون ويتغير.

محمد: بالنسبة لي، كلاهما يبدوان غامضين، لأنه بالرغم من محاولتك لجعلها عالما كلاسيكيا إلا أنك قسمتها إلى عدة عوالم كلاسيكية لا ترى أو لتقاس أو لتفهم، ولا تستطيع أن تعرف في أي عالم ستكون، إنها مربكة بنفس الدرجة.

شون: نعم، ذلك صحيح، ولكن هذا ما تخبرنا به المعادلات، وهي المعادلات أختبرت بشكل جيد.

محمد: حسنا، أيها حصل على اتفاق من العلماء؟ أي التفاسير أكثر قبولا؟

شون: لا يوجد اجماع، الفيزيائيون المهنيون لا يفكرون بهذا الموضوع بعمق، تستطيع أن تعيش حياتك بافتراض أن هناك قواعد أساسية تعطيك الإجابات الصحيحة في ميكانيكا الكم، من غير التفكير بعمق في أسس الموضوع.

محمد: هنالك سؤال آخر، ذكرت في نقطة ما في الكتاب، أنك تستطيع أن تحصل على المعاجز في ميكانيكا الكم، ولكنها نادرة جدا، أو أنها باحتمالية ضئيلة تحدث، على سبيل المثال، تحول الخمر إلى دم كما في المسيحية، ولكن إن استطعت أن تضع العديد من المجربين في الكون، فلن يتحول الخمر إلى دم حتى لو كان لديهم عمر الكون كله، ولكن لو أخذنا تفسير العوالم المتعددة، فإن العالم سوف ينشق إلى درجة أن على الأقل واحدة من تلك العوالم تحتوي على خمر يتحول إلى دم، لماذا لا يكون هذا الكون هو كوننا، وأن المعجزات يمكنها أن تحدث؟

شون: من الممكن أن تكون، ولكنها كلها موجودة، إذا كنت ستعتمد على تفسير العوالم المتعددة، لابد أن تكون منصفا، هناك عوالم كثيرة جدا جدا جدا، وفي جزء هائل جدا منها فإن هذه الاحداث لا تحدث.

محمد: أنت تقول لأنه هناك عدد قليل منها، لذلك لا يجب علينا أن نكترث أن واحدة أو اثنتان منها حصل فيها هذا الشيء؟

شون: نعم، لا أدري لماذا تكترث، هناك أشياء أكثر غرابة تحدث في الكثير من تلك العوالم، حينما يقول أحدهم أن لديه عملة، وسيقوم بتقليبها، وسيقلبها مئة مرة، وإذا هبطت على الكلمات في كل مرة، سيعطيك دولارا، وإذا هبطت على الصورة ولو مرة واحدة أنت تعطينه دولارا، ومن الغباء أن تقول: “حسنا، بما أنه من الممكن أن يحدث هذا الشيء إذن سأراهنك”، يجب عليك أن تتبع الاحتمالات كما تفرض النظريات …

محمد: لا، لا أنا أفهم ذلك، لنقل أننا نحن في ذلك العالم الذي تحول فيه الخمر إلى دم…

شون: لماذا تقول ذلك؟

محمد: لماذا لا نقول ذلك؟ إنها إحدى العوالم.

شون: نعم، ولكنه جزء بسيط جدا جدا جدا من العوالم.

محمد: أعتقد أنني سوف أنهي النقاش عند هذه النقطة، عند هذه النقطة المربكة بالنسبة لي على الأقل، وسأطلب من المستمعين أن يتوجهوا لشراء الكتاب وقراءته، لأنه أكثر عمقا من… هذا النقاش لم يشتمل على جميع الأفكار التي يحتويه، وهو كتاب رائع، استمتعت بقراءته.

شكرا لك شون لهذه الفرصة.

كان معنا اليوم شون كارول بروفيسور في الفيزياء النظرية من معهد كاليفورنيا للتقنية، شكرا كثيرا.