×

우리는 LingQ를 개선하기 위해서 쿠키를 사용합니다. 사이트를 방문함으로써 당신은 동의합니다 쿠키 정책.


image

سلسلة المرأة, ندى تشتكي لعائشة رضي الله عنها (1)

ندى تشتكي لعائشة رضي الله عنها (1)

السَّلامُ عليكُم

نَدى، أتمَّتْ دراستَها في المدرسةِ الأمريكيَّةِ،

ثمَّ تخرَّجتْ من كلِّيَّةِ الطِّبِّ في جامعةٍ محلِّيَّةٍ،

وتخصَّصتْ في الطِّبِّ النَّفسيِّ

تقدَّمَ لها شادي -والَّذي يكبرُها بِسنَتينِ-

بعدَ أَنْ أَنْهَى التَّخصُّصَ في الطِّبِّ النَّفسيِّ أيضًا

في مستشفى بأُستُراليا

قبلَتْ بهِ ندى بنتُ السّادسةِ والعشرينَ، تزوَّجا،

عاشا شهورًا سعيدةً إلى حدٍّ ما، ثمَّ بدأَتِ المشاكِلُ وتفاقمَتْ،

لمْ يطُلْ ربيعُهما ودخلَتْ حياتُهما في فصلِ خريفٍ طويلٍ

جاءَتْ ندى من عملِها مبكِّرةً في يومٍ منَ الأيَّامِ،

شادي لم يعدْ بعدُ، فدخلَتْ غرفةَ المكتبِ،

استخرجَتْ ورقةً وقلمًا وبدأَتْ تكتبُ:

ما هيَ مشاكِلي معَ شادي؟

شادي جافٌّ، لمْ يعدْ يعبِّرُ لي عنْ حبِّهِ،

بلْ بدأْتُ أشكُّ أنَّهُ يحِبُّني،

بلْ ومرضْتُ مرَّةً فلمْ يُظهرْ لي لطفًا، أوْ عنايةً خاصَّةً

عندما أكونُ في أيَّامِ عُذْري كأُنثى

أكونُ متوتِّرةً بعضَ الشَّيءِ، ومعَ ذلكَ لا يُراعيني،

معَ أَنَّهُ -كَطَبيبٍ نَفسِيٍّ- يفهمُ ما أمرُّ بِه،

يستسخِفُ اهتماماتي الأُنْثويَّةِ،

ويُشعرُني بِعَدَمِ الاحتِرامِ...

لا يهتمُّ بمُتَعلِّقاتي؛

انْكسرَتْ أُسْوارَةٌ بِألفَيْ دينارٍ

كانتْ أمّي أهدَتْني إيّاها،

طلبْتُ منْهُ أنْ يُصلحَها

ولا زالتْ أمامَهُ على الكُمُدينةِ مِن شهورٍ،

وكلَّ ما ذكَّرتُهُ بها قالَ: اليومَ، وغدًا!

أنانيٌّ، يفضِّلُ نفسَهُ عليَّ،

أحيانًا نعودُ كلٌّ منّا -أنا وهوَ- منْ عملِنا متأَخِّرَينِ،

ولا طعامَ في البيتِ،

يدْعوهُ أحدُ أصحابِهِ فيخرجُ ولا يسألُ عنّي

الوقتُ الَّذي يُمضيهِ شادي معي ليسَ (بالإنجليزيَّةِ) وقتًا طيِّبًا،

بلْ يكونُ شارِدَ الذِّهنِ،

نكونُ قريبَينِ جسديًّا، وبعيدَينِ روحيًّا،

ينقلُ مَشَاكِلَهُ في العملِ إلى داخلِ البيتِ،

ولا أحسُّ معَه بالأمانِ

في المقابلِ، لا يُشاركُني فرحاتِهِ!

إذا أطلْتُ الحديثَ مَعه في مَوضوعٍ يُقاطعُني

ويطلبُ منّي أنْ أختصرَ، ويتبرَّمُ مِنْ كَثرةِ أسئلَتي

بدأَ يَملُّني،

والمؤلمُ جدًّا أنَّ هذا في مقابلِ اهتمامهِ بزميلاتِهِ في العملِ،

وروحِه المرحةِ معهنَّ

تثورُ عصبيَّتُهُ عليَّ سريعًا إذا تأخَّرْتُ عليهِ دقيقَتينِ،

وهوَ ينتظِرُني في السَّيّارَةِ، مثلًا!

وفي المقابلِ، تأخَّرَتْ زميلتُه ربُعَ ساعةٍ عنِّي أنا وإيَّاهُ مرَّةً،

ولمّا اعتذرتْ كانَ جوابُهُ: أبدًا، أبدًا مُشْ مُشكِلِة

أمسكْتُ موبايلهُ مرَّةً وأرسلْتُ لسكرتيرتِهِ رسالةً أَطلبُ فيها باسمِهِ

أنْ تَكُفَّ عنْ رسائلِ: (صباحُ الخيرِ)، يسْعِد مَسَاك... غَيرةً عليهِ

عندما اكتشفَ ذلكَ، غضبَ منِّي، وقاطعَني لأيّامٍ،

وعملَ باسورد عَلى موبايله حتّى لا أستطيعَ فتحَهُ

أُحسُّ أنَّ شَخصيَّتي انطفسَتْ طُمِسَتْ معَهُ،

أشعرُ بضَعفٍ، وقلَّةِ تقديرٍ لنفسي أمامَ الآخَرينَ إذا كنْتُ معَه

يرُدُّ على غَيرتي بإظهارِ سوءِ الظَّنِّ فيَّ

أنّي أتعمَّدُ الحديثَ معَ الزُّملاءِ،

وأنّي أميلُ عاطِفيًّا تجاهَ أحدِهِم

عندَما تكونُ الشَّغَالةُ في إجازةٍ،

فإنَّهُ لا يساعدُ في البيتِ،

معَ أنَّهُ يكتبُ بوستات

عنْ حقوقِ المرأةِ، و"مَظْلوميَّتِها"

يدخلُ الحمّامَ يأخذ الدُش لا ينظِّفُ وراءَهُ،

يتركُ متعلِّقاتِهِ، ويَتوقَّعُ منّي -أنا-

أنْ أقومَ بهذا كلِّهِ!

لِماذا؟! ما دامَ يؤمنُ بمُساواةِ المرأةِ والرَّجلِ!

أَصبحَ يدخِِّنُ مؤخَّرًا، وأتأذَّى منْ رائحةِ دخانِهِ

أشياءٌ بسيطةٌ أَصبحَتْ تستفزُّني

لماذا لايتأنَّقُ لي كما يتأنَّقُ للنَّاسِ؟!

أصبحْتُ أفضِّلُ غيابَهُ عنِّي!

منْ أسوأِ ما في شادي أنَّهُ يظهرُ أمامَ النَّاسِ

بمظهرِ الخَيريَّةِ والحنانِ،

لكنَّ هذهِ الخيريَّةَ تَتَلاشى معي،

ويُبرِّرُ لي بأنَّهُ:

"مضغوطٌ، ومشاكِلُ الحياةِ كثيرةٌ،

وبأنَّهُ لا بدَّ لهُ منَ التَّعاملِ اللَّطيفِ معَ النَّاسِ

بِطبيعةِ عملهِ كَطَبيبٍ نَفسيٍّ

هناكَ جوانب منْ حياتِهِ الخاصَّةِ أستحي أنْ أتكلَّمَ عنْها

لأنَّها تسيءُ لهُ جدًّا!

لاهتزازِ صورةِ شادي لدَيَّ؛

أصبحْتُ أنفِرُ من علاقتِنا الغريزيَّةِ كزَوجَينِ

وأشعرُ أنّي أفعلُ شيئًا مَعيبًا!

يستَكبِرُ أنْ يُظهرَ أمامي ضعفَهُ،

بلْ -بدلًا مِنْ ذَلكَ-

يتَفَشَّشُ فيَّ إذا تعرَّضَ لما يُظهرُه ضعيفًا

لم أعدْ أهتمُّ باهتِماماتهِ،

أصبحْتُ أتعمَّدُ مخالفتَهُ في كلِّ شيءٍ،

ولا أريدُ أنْ أشبهَهُ في شيءٍ!

نفسِيَّتي معهُ تَعبَانةٌ، معَ أنَّني طبيبةٌ نفسيَّةٌ!

طلبْتُ الانفصالَ عنهُ لكنَّهُ لمَّحَ أنَّهُ لن يسامحَني بأيٍّ منَ الأشياءِ

الَّتي اشتراها لي ولمْ يكتبْها باسمي

كنتُ قدْ صارحْتُ بعضَ صديقاتي لعلِّي أجدُ عندَهنَّ حَلًّا

لكنّي اكتشفْتُ أنَّه -وإنِ اختلفَتِ التَّفاصيلُ-

إلّا أَنَّهنَّ جميعًا يعانِينَ أيضًا،

وإنْ كانَتْ حالاتُنا تتفاوتُ في مدى التَّوتُّرِ

لكنّي كنتُ منْ قديمٍ قدْ سمعْتُ بفتاةٍ اسمُها عائشةُ

وسمعْتُ أنَّ لها قصَّةَ زواجٍ معَ رسولِ اللهِ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-

قصَّةً مختلفةً عنْ كلِّ ما عهدْتُه في بيئتي!

تذكَّرْتُ عائشةَ الآنَ،

فانتقلْتُ عبرَ صفحاتِ السّيرَةِ، وجئْتُها مستشيرةً،

لكنّي سمعْتُ عنْ مستوى الأخلاقِ الَّتي تمتَّعَتْ -هي وزوجُها- بها

فلمْ أطلعْها على بعضِ التَّفاصيلِ الَّتي أستحي منْ ذكرِها

سألتُها أسئلةً بعددِ مَشاكِلي الثَّلاثةِ والعشرينَ معَ شادي،

حتّى أتمكَّنَ منَ المقارنةِ

هنا -إخواني- يبدأُ الحوارُ المفترضُ بينَ ندى وعائشةَ

حوارٌ بسَّطْنا فيهِ بعضَ ما قالتْهُ أمُّنا عائشةُ في الأحاديثِ،

وأضفْنا فيهِ ما يساعدُ في رسمِ الصّورةِ،

معَ مراعاةِ أنْ تبقى ألفاظُ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-

وأفعالُه بحَرفِيَّتِها دونَ أيِّ تصرُّفٍ

علمًا بأنَّ مصادرَها الأحاديثُ الصَّحيحةُ

الَّتي سنذكرُها لكُم في التَّعليقاتِ،

ولم نلجأْ فيها لأيِّ حديثٍ ضعيفٍ،

فلا ينبغي الاعتراضُ بعدَ ذلكَ بأنَّنا نَنسبُ إلى السّيرةِ ما ليسَ منْها!

طَيبْ بدأَ الحوارُ

بدأَتْ ندى بسؤالِ عائشةَ:

- حضرتُكِ عائشةُ زوجةُ محمَّدٍ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-؟

- نعمْ - تسمحينَ لي بأسئلةٍ؟

- نعمْ

قالتْ ندى في نفسِها: شادي جافٌّ،

لمْ يعُدْ يعبِّرُ لي عنْ حبِّهِ،

بلْ بدأْتُ أشُكُّ أنَّهُ يحبُّني!

فسألَتْ: هلْ كانَ رسولُ اللهِ يعبِّرُ عنْ حبِّهِ لكِ؟

تبسَّمَتْ عائشةُ وحنَّتْ:

- كانَ يقبِّلني قبُلاتٍ عابرةٍ وهوَ صائِمٌ،

ولمّا سألوهُ: منْ أحبُّ النّاسِ إليكَ؟ قالَ: عائشةُ

في مجتمعٍ لم يألَفْ منْ قبلُ التَّصريحَ بمحبَّةِ الزَّوجةِ

- مرضْتُ مرَّةً فلمْ يُظهِر لي شادي لطفًا أوْ عنايةً خاصَّةً،

- فسألَتْ: هلْ كان يشعرُكِ النَّبيُّ بالاهتِمامِ إذا مرضْتِ؟

-كانَ يتلطَّفُ بي لطفًا خاصًا،

ويضعُ يدَهُ موضِعَ الألمِ فيدعُو لي

- عندَما أكونُ في أيَّامِ عُذري كأنثى، أكونُ متوتِّرةً بعضَ الشَّيءِ،

ومعَ ذلكَ لا يراعيني شادي

معَ أنَّهُ كطبيبٍ نفسيٍّ يفهمُ ما أمرُّ بهِ،

فسألتْ: طَيِّبٌ هلْ كانَ رسولُ اللهِ يراعيكِ في فترةِ عذرِكِ؟

"كان معي في هذهِ الفتراتِ ألطفَ ما يكونُ؛

أشربُ وأنا حائضٌ، ثمَّ أُناولُ الإناءَ للنَّبيِّ،

فيتعمَّدُ أنْ يضعَ فمَهُ على المكانِ الَّذي شربْتُ منهُ،

وآكلُ اللَّحمَ، ثمَّ أناولُهُ النَّبيَّ

فيتعمَّدُ أنْ يضعَ فمهُ على مكانِ فمي

تطييبًا لخاطري، وإذهابًا لحُزني،

وجاءَني العذرُ وأنا أحُجُّ، فبكيْتُ خَشيةً منْ فسادِ حَجّي

فقالَ ليَ النَّبيُّ: هذا أمرٌ كتبَهُ اللهُ على بناتِ آدمَ،

ثُمَّ ذكرَ لي ما عليَّ فعلُهُ"

قالَتْ ندى في نفسِها: شادي يستسخفُ اهتماماتي الأنثويَّةِ،

ويُشعرُني بعدمِ الاحترامِ

فسألَتْ: طَيِّبْ، هل كانَ رسولُ اللهِ يراعي اهتِماماتِكِ؟

تبسَّمَتْ عائشةُ، وقالَتْ:

"ذاتَ مَرَّةٍ كانَ هناكَ أحباشٌ يلعبونَ في المسجدِ بالحرابِ، فسألَني رسولُ اللهِ:

أتحبّينَ أنْ تنظري إليهم؟ فقلتُ له: نعمْ،

فقامَ نحوَ البابِ، وقمْتُ وراءَهُ،

ووضعْتُ ذَقني على كتفِهِ وألزقْتُ خدّي بخدِّهِ، وسَترَني بردائِهِ

بعدَ فترةٍ سألَني: وحسبُكِ؟ -يعني بكفي-

فقلْتُ لهُ: يا رسولَ اللهِ لا تَعجَلْ

فبَقيَ واقفًا من أَجْلي

وبعدَ فترةٍ قالَ: حَسبُكِِ؟ فقلْتُ: لا تَعجَلْ يا رسولَ اللهِ

وبَقيَ قائمًا حتّى انْصرفْتُ أنا؛

لذلكَ قلْتُ أعلِّمُ النّاسَ أجمَعينَ أنْ يهتمّوا بحاجاتِ الصَّغيراتِ،

فاقدُروا قَدرَ الجاريةِ الحديثةِ السِّنِ الحريصةِ على اللَّهو؛

ليقتَبِسوا منْ هذا الُخلُقِ العظيمِ

لقدْ تزوَّجَني رسولُ اللهِ صغيرةً،

فكنْتُ أَلعبُ بِلُعَبٍ على شكلِ بناتٍ في بيتِهِ،

ويلعبُ معي بعضُ البناتِ منْ جيلي،

وكُنَّ يهَبْنَ منَ النَّبيِّ إذا رأينَهُ، فيختَفينَ

لكنَّ رسولَ اللهِ يُدخلُهنَّ عليَّ ليُشعرَهنَّ أنْ خذوا راحتكُنَّ

ومرَّةً، رأى لُعبي، فقالَ:

ما هذا يا عائشةُ؟ فقلْتُ: بناتي

ورأى بينَهنَّ فرسًا له جناحانِ، فقالَ:

ما هذا الَّذي أرى وسْطَهنَّ؟ فقلْتُ: فرسٌ، قال: وما هذا الَّذي عليهِ؟ قلْتُ: جناحانِ

قالَ: فرسٌ له جناحانِ؟ قلْتُ: أَما سمعْتَ أنَّ لسليمانَ خيلًا لها أجنحةٌ؟

فضحكَ النَّبيُّ حتّى رأيتُ نواجِذَهُ؛

يعني كُنْت عَايشَة حَياتِكِ مَعَهُ أيَامَ الصِّبَا؟

تمامًا! كنتُ أتعلَّمُ منْهُ أثناءَ ذلكَ كلَّ شيءٍ يفعلُهُ؛

أَلعبُ، أمرحُ، أتعلَّّمُ، وأتعبَّدُ...

بنفسٍ مطمئنَّةٍ، مستقرَّةٍ، سويَّةٍ

واستمرَّ اهتمامُهُ بي، ومراعاتُهُ لحاجاتي، وأنا شابَّةٌ

قالَتْ ندى في نفسِها: شادي لا يهتمُّ بِمُتَعلِّقَاتي،

انكسرَتْ أُسوارةٌ بألفَي دينارٍ

كانَتْ أمّي أهدَتْني إيّاها،

طلبْتُ منْهُ أنْ يُصلحَها ولا زَالَتْ أمامَه على الكَمدينة منْ شهورٍ،

وكلَّ ما ذكَّرتُهُ بها قالَ:

اليومَ، وغدًا... اليومَ وغدًا

فسألَتْ: هلْ كانَ النَّبيُّ يهتمُّ بمتعلّقاتِكِ؟

ابتسمَتْ عائشةُ، وقالَتْ:

خرجْتُ معه مرَّةً في سفرٍ، فانقطعَ عِقدٌ لي،

فأقام النَّبيُّ في المكانِ ريثما نجدُهُ،

وأقامَ أصحابُه معَهُ، وليسَ معهمُ ماءٌ، ولا حتَّى ليتَوضَّؤوا بهِ!

جاءَ أبي -أبو بَكرٍ-غاضبًا لأنّي تسبَّبتُ في تأخيرِ الجميعِ

فضغطَ على خاصرَتي ضغطًا مؤلمًا، ورسولُ اللهِ نائمٌ على فخذي

فلا يمنعُني منَ التَّحرُّكِ إلّا خوفي أنْ يصحوَ النَّبيُّ، وأفسدُ عليهِ راحتَهُ

على فكرةٍ، انقطعَ معي عقدٌ مرَّةً أخْرى

وكانَ بَحثي عنهُ، وتأخُّري عنِ الجيشِ -لأجلِ ذلكِ-

سببًا في حادثةِ الإفكِ، وافتراءِ المنافقينَ عليَّ،

ولم يُعاتبْني رسولُ اللهِ على تكرارِ سقوطِ عِقدي

قالت ندى في نفسِها شادي أنانيّ يُفضِّل نفسَه علَيّ

أحيانًا نعود كلٌّ مِّنَّا أنا وهو من عملنا متأخرَيْن ولا طعام في البيت

يدعوه أحد أصحابه فيخرُج ولا يسأل عنّي،

فسألتْ: هل كان رسول الله يُفضِّل نفسه عليكِ أحيانًا في الطعام أو الشراب؟

بدا على عائشة علامات الاستغراب والاستنكار

-أبدًا؛ كان لنا جارٌ فارسيٌّ طعامه طيِّب،

فصنع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعامًا،

ثم جاء يدعوه، فقال رسول الله: وهذه عني؟ (يعني معزومة معي؟ مدعوة معي؟)

فقال: لا، فقال رسول الله: لا،

(يعني لا أستطيع تلبية الدعوة ما لم تكن عائشة معزومة معي)

فعاد جاره يدعوه، فقال رسول الله: وهذه؟ قال: لا، فقال رسول الله: لا،

ثم عاد في مرَّةٍ أخرى يدعوه، فقال رسول الله: وهذه؟

قال: نعم، فقمتُ مع رسول الله إلى منزل جارنا هذا.

-طيِّب، لماذا رفض أن يذهب وحده؟

-عرف أنّي أحب هذا الطعام وقد كان الطعام عندنا قليلًا،

فأراد أن يُّشاركني حالي فإمّا أن نَّأكل معًا أو نجوع معًا.

هزّ الموقف ندى وعنى لها الكثير.

-طيِّب، لماذا كان الطعام عندكم قليلًا؟

-كان المالُ والهدايا والطعامُ يأتي النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-

فيعطي الفقراء وأهل الصُفَّة،

ويصبر وأصبر أنا معه وكيف لا أصبر وأنا أراه يرفض أن يّأكل بدوني؟

-آسفة على السؤال: شابّةٌ جميلةٌ ذكيةٌ مثلكِ،

هل أُعطيتِ يومًا من الأيام الفرصة لتعيشي حياةً أكثر تنعيمًا

ولو بعيدًا عن رسول الله؟

يعني هل فكرتِ في فِرَاقه؟

-فِرَاقه! ضحكت عائشة ثم قالت سأخبركِ بشيء:

كنتُ أنا وأزواج النبيِّ نطلب منه متاعًا من الدنيا وألححْنا عليه في الطّلب كثيرًا،

وكنّا نغار عليه كلٌّ منّا تريد أن تستأثر به ما استطاعتْ،

وحصل أن نكيد بعضنا لأجل ذلك؛

فغضب منّا النّبيُّ وكفَّ عن الحديث معنا شهرًا ثم أنزل الله آيةً

يُخيِّرنا فيها بين البقاء مع النَّبيّ على خشونة العَيش أو الطلاق مع الإحسان

وإعطائنا شيئًا مّن مّتاع الدنيا.

فبدأ النَّبيّ بي وقال: يا عائشة إنّي أريد أن أعرض عليكِ أمرًا،

أُحبُّ أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبوَيكِ

فقلتُ: وما هو يا رسول الله؟ فتلى عليّ قول الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ

الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ

وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)

وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ

فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}.

وانتهى النَّبيُّ وهو ينتظر ألّا أجيبه حتى أستشير أبَوَيّ، فقلتُ له:

أفيكَ يا رسول الله أستشير أبوي؟

أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة،

ففرح رسول الله بذلك.

أفيك يا رسول الله أستشير أبوي!

ما أحلاها من كلمة رنَّت في كيان ندى وهي ترى هذا الحب الذي لا رجعةَ عنه

من فتاةٍ ترى نفسها مع زوجها روحًا حلّت في جسدَين فلا يمكن أن يّنفصلا.

تذكَّرتْ ندى كيف أنَّها طلبتْ الانفصال من شادي

لكنَّه لمَّح أنَّه لن يُّسامحها

بأيٍٍّ مِّن الأشياء التي اشتراها لها ولم يكتبها باسمها،

فهي تبقى معه تعلّقًا بهذه الأشياء، ليس اهتمامًا به،

بينما عائشة أُعطِيت الفرصة لتفارق النَّبيّ وتستمتع بالدنيا وزينتها،

لكنها اختارتْه بلا تردد.

قالت ندى في نفسها: الوقت الذي يُمضِيه شادي معي ليس “Quality time”،

ليس وقتًا نوعيًا بل يكون شارد الذهن فسألت: رسول الله كانت مهمّاته عظيمة ومشاغله كثيرة

هل كنتِ تُحسّينَ مع ذلك أنه متفرِّغٌ لكِ عاطفيًا وهو معكِ؟

-كان يعطيني حقِّي كاملًا وَّهو معي حاضرًا ببدنه وذهنه،

يستغلُّ كل فرصةٍ للتَّفاعل معي والتَّقرُّب منّي، يقوم بلفتات لطيفة تعني لي الكثير،

لذلكَ ترَيْنَ أحاديثَ كثيرةً أرويها عنه فإنّي لم أكن على هامش حياته بل في صميمها.

كان النَّبيّ يقرأ القرآن في حجري وأنا حائض

-سيقرأهُ؟! -سيقرأه على كل حال،

بدل أن يقرأه بعيدًا عنِّي يقرأه في حجْري.

تصوَّرتْ ندى هذه الصورة الطاهرة الراقية تصوَّرتْ رسولَ الله يقرأ بصوت عذب،

رأسُهُ في حجْر عائشة تمسح بيدها على شعره وتستمع له في قِمّة المحبَّة والانسجام.

قالت عائشة: كنّا نمضي أوقاتًا مرحة، حتى في الاغتسال نغتسلُ من إناءٍ وَّاحدٍ

نَّتسابق على الماء مُتَمازحَيْن أقول له: دعْ لي دعْ لي ويقول هو: دعِي لي دعِي لي

بمودّةٍ وَّأُنسٍ وَّخفَّة روحٍ وَّملاطفة.

تبسَّمَتْ عائشة ثم قالت: سافرتُ معه مَرّةً وكنتُ صغيرةً خفيفةَ الوزن،

فقال لأصحابه: تقدَّموا فتقدّموا، ثم قال: تعالي أُسابقكِ فسابقتُه فسبقتُه،

ثمَّ كبرتُ وزاد وزني ونسيتُ سباقنا الأوَّل وخرجتُ معه في سفر،

فقال لأصحابه: تقدّموا فتقدّموا، ثم قال: تعالي أسابقكِ،

فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذا الحال؟ فقال: لتفعلِنَّ فسابقتُه فسبقني

فجعل يضحك، وقال: هذه بتلك السبقة.

قالت ندى في نفسها: شادي ينقل مشاكله في العمل إلى داخل البيت،

فسأَلتْ: ألم تكن أعباء الحياة ومكائد الكفار والمنافقين ضدَّ النَّبيِّ

تؤثِّرُ على حياتكم واستقراركم؟

-بل كان كأنَّه يخلع الهموم على عتبات البيت حين يدخل عليّ،

فلا أرى منه سوى الودّ والطمأنينة وهدوء النفس وحُسْن العِشْرة.

-يعني كنتِ تُحسِّين معه بالأمان مع كلِّ هذه الظروف!

-طبعًا وأيُّ أمانٍ أكثرُ من هذا؟

ندى تشتكي لعائشة رضي الله عنها (1) Nada beschwert sich bei Aisha, möge Gott mit ihr zufrieden sein (1) Nada complains to Aisha, may God be pleased with her (1)

السَّلامُ عليكُم

نَدى، أتمَّتْ دراستَها في المدرسةِ الأمريكيَّةِ،

ثمَّ تخرَّجتْ من كلِّيَّةِ الطِّبِّ في جامعةٍ محلِّيَّةٍ، Then she graduated from the medical school of a local university.

وتخصَّصتْ في الطِّبِّ النَّفسيِّ She specialized in psychiatry

تقدَّمَ لها شادي -والَّذي يكبرُها بِسنَتينِ- Shadi, who is two years older than her, proposed to her.

بعدَ أَنْ أَنْهَى التَّخصُّصَ في الطِّبِّ النَّفسيِّ أيضًا

في مستشفى بأُستُراليا

قبلَتْ بهِ ندى بنتُ السّادسةِ والعشرينَ، تزوَّجا، Nada, the daughter of twenty-six, accepted him. They got married.

عاشا شهورًا سعيدةً إلى حدٍّ ما، ثمَّ بدأَتِ المشاكِلُ وتفاقمَتْ، They had more or less happy months, and then the problems started and got worse.

لمْ يطُلْ ربيعُهما ودخلَتْ حياتُهما في فصلِ خريفٍ طويلٍ Their spring did not last long, and their lives entered a long autumn season

جاءَتْ ندى من عملِها مبكِّرةً في يومٍ منَ الأيَّامِ، Nada came from her work early one day.

شادي لم يعدْ بعدُ، فدخلَتْ غرفةَ المكتبِ،

استخرجَتْ ورقةً وقلمًا وبدأَتْ تكتبُ:

ما هيَ مشاكِلي معَ شادي؟

شادي جافٌّ، لمْ يعدْ يعبِّرُ لي عنْ حبِّهِ، Shady is dry, he no longer expresses his love to me,

بلْ بدأْتُ أشكُّ أنَّهُ يحِبُّني، I'm beginning to suspect that he loves me,

بلْ ومرضْتُ مرَّةً فلمْ يُظهرْ لي لطفًا، أوْ عنايةً خاصَّةً Indeed, I fell ill once, and he did not show me kindness or special care.

عندما أكونُ في أيَّامِ عُذْري كأُنثى When I'm in my virginity days as a female

أكونُ متوتِّرةً بعضَ الشَّيءِ، ومعَ ذلكَ لا يُراعيني، I'm a little nervous, and yet he doesn't mind me,

معَ أَنَّهُ -كَطَبيبٍ نَفسِيٍّ- يفهمُ ما أمرُّ بِه،

يستسخِفُ اهتماماتي الأُنْثويَّةِ، makes fun of my feminine interests,

ويُشعرُني بِعَدَمِ الاحتِرامِ... I feel disrespected...

لا يهتمُّ بمُتَعلِّقاتي؛ he takes no interest in my belongings;

انْكسرَتْ أُسْوارَةٌ بِألفَيْ دينارٍ Two thousand dinars worth of walls were broken

كانتْ أمّي أهدَتْني إيّاها، my mom gave it to me,

طلبْتُ منْهُ أنْ يُصلحَها

ولا زالتْ أمامَهُ على الكُمُدينةِ مِن شهورٍ، And she was still in front of him in the city for months,

وكلَّ ما ذكَّرتُهُ بها قالَ: اليومَ، وغدًا! And all that I reminded him of, he said: Today and tomorrow!

أنانيٌّ، يفضِّلُ نفسَهُ عليَّ، selfish, prefers himself to me,

أحيانًا نعودُ كلٌّ منّا -أنا وهوَ- منْ عملِنا متأَخِّرَينِ، Sometimes both of us - he and I - come back from work late.

ولا طعامَ في البيتِ،

يدْعوهُ أحدُ أصحابِهِ فيخرجُ ولا يسألُ عنّي One of his companions would invite him and he would go out without asking about me

الوقتُ الَّذي يُمضيهِ شادي معي ليسَ (بالإنجليزيَّةِ) وقتًا طيِّبًا،

بلْ يكونُ شارِدَ الذِّهنِ، but be absent minded,

نكونُ قريبَينِ جسديًّا، وبعيدَينِ روحيًّا،

ينقلُ مَشَاكِلَهُ في العملِ إلى داخلِ البيتِ،

ولا أحسُّ معَه بالأمانِ

في المقابلِ، لا يُشاركُني فرحاتِهِ!

إذا أطلْتُ الحديثَ مَعه في مَوضوعٍ يُقاطعُني

ويطلبُ منّي أنْ أختصرَ، ويتبرَّمُ مِنْ كَثرةِ أسئلَتي

بدأَ يَملُّني،

والمؤلمُ جدًّا أنَّ هذا في مقابلِ اهتمامهِ بزميلاتِهِ في العملِ،

وروحِه المرحةِ معهنَّ

تثورُ عصبيَّتُهُ عليَّ سريعًا إذا تأخَّرْتُ عليهِ دقيقَتينِ،

وهوَ ينتظِرُني في السَّيّارَةِ، مثلًا!

وفي المقابلِ، تأخَّرَتْ زميلتُه ربُعَ ساعةٍ عنِّي أنا وإيَّاهُ مرَّةً،

ولمّا اعتذرتْ كانَ جوابُهُ: أبدًا، أبدًا مُشْ مُشكِلِة

أمسكْتُ موبايلهُ مرَّةً وأرسلْتُ لسكرتيرتِهِ رسالةً أَطلبُ فيها باسمِهِ

أنْ تَكُفَّ عنْ رسائلِ: (صباحُ الخيرِ)، يسْعِد مَسَاك... غَيرةً عليهِ

عندما اكتشفَ ذلكَ، غضبَ منِّي، وقاطعَني لأيّامٍ،

وعملَ باسورد عَلى موبايله حتّى لا أستطيعَ فتحَهُ

أُحسُّ أنَّ شَخصيَّتي انطفسَتْ طُمِسَتْ معَهُ،

أشعرُ بضَعفٍ، وقلَّةِ تقديرٍ لنفسي أمامَ الآخَرينَ إذا كنْتُ معَه

يرُدُّ على غَيرتي بإظهارِ سوءِ الظَّنِّ فيَّ

أنّي أتعمَّدُ الحديثَ معَ الزُّملاءِ،

وأنّي أميلُ عاطِفيًّا تجاهَ أحدِهِم

عندَما تكونُ الشَّغَالةُ في إجازةٍ،

فإنَّهُ لا يساعدُ في البيتِ،

معَ أنَّهُ يكتبُ بوستات

عنْ حقوقِ المرأةِ، و"مَظْلوميَّتِها"

يدخلُ الحمّامَ يأخذ الدُش لا ينظِّفُ وراءَهُ،

يتركُ متعلِّقاتِهِ، ويَتوقَّعُ منّي -أنا-

أنْ أقومَ بهذا كلِّهِ!

لِماذا؟! ما دامَ يؤمنُ بمُساواةِ المرأةِ والرَّجلِ!

أَصبحَ يدخِِّنُ مؤخَّرًا، وأتأذَّى منْ رائحةِ دخانِهِ

أشياءٌ بسيطةٌ أَصبحَتْ تستفزُّني

لماذا لايتأنَّقُ لي كما يتأنَّقُ للنَّاسِ؟!

أصبحْتُ أفضِّلُ غيابَهُ عنِّي!

منْ أسوأِ ما في شادي أنَّهُ يظهرُ أمامَ النَّاسِ

بمظهرِ الخَيريَّةِ والحنانِ،

لكنَّ هذهِ الخيريَّةَ تَتَلاشى معي،

ويُبرِّرُ لي بأنَّهُ:

"مضغوطٌ، ومشاكِلُ الحياةِ كثيرةٌ،

وبأنَّهُ لا بدَّ لهُ منَ التَّعاملِ اللَّطيفِ معَ النَّاسِ

بِطبيعةِ عملهِ كَطَبيبٍ نَفسيٍّ

هناكَ جوانب منْ حياتِهِ الخاصَّةِ أستحي أنْ أتكلَّمَ عنْها

لأنَّها تسيءُ لهُ جدًّا!

لاهتزازِ صورةِ شادي لدَيَّ؛

أصبحْتُ أنفِرُ من علاقتِنا الغريزيَّةِ كزَوجَينِ

وأشعرُ أنّي أفعلُ شيئًا مَعيبًا!

يستَكبِرُ أنْ يُظهرَ أمامي ضعفَهُ،

بلْ -بدلًا مِنْ ذَلكَ-

يتَفَشَّشُ فيَّ إذا تعرَّضَ لما يُظهرُه ضعيفًا

لم أعدْ أهتمُّ باهتِماماتهِ،

أصبحْتُ أتعمَّدُ مخالفتَهُ في كلِّ شيءٍ،

ولا أريدُ أنْ أشبهَهُ في شيءٍ!

نفسِيَّتي معهُ تَعبَانةٌ، معَ أنَّني طبيبةٌ نفسيَّةٌ!

طلبْتُ الانفصالَ عنهُ لكنَّهُ لمَّحَ أنَّهُ لن يسامحَني بأيٍّ منَ الأشياءِ

الَّتي اشتراها لي ولمْ يكتبْها باسمي

كنتُ قدْ صارحْتُ بعضَ صديقاتي لعلِّي أجدُ عندَهنَّ حَلًّا

لكنّي اكتشفْتُ أنَّه -وإنِ اختلفَتِ التَّفاصيلُ-

إلّا أَنَّهنَّ جميعًا يعانِينَ أيضًا،

وإنْ كانَتْ حالاتُنا تتفاوتُ في مدى التَّوتُّرِ

لكنّي كنتُ منْ قديمٍ قدْ سمعْتُ بفتاةٍ اسمُها عائشةُ

وسمعْتُ أنَّ لها قصَّةَ زواجٍ معَ رسولِ اللهِ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-

قصَّةً مختلفةً عنْ كلِّ ما عهدْتُه في بيئتي!

تذكَّرْتُ عائشةَ الآنَ،

فانتقلْتُ عبرَ صفحاتِ السّيرَةِ، وجئْتُها مستشيرةً،

لكنّي سمعْتُ عنْ مستوى الأخلاقِ الَّتي تمتَّعَتْ -هي وزوجُها- بها

فلمْ أطلعْها على بعضِ التَّفاصيلِ الَّتي أستحي منْ ذكرِها

سألتُها أسئلةً بعددِ مَشاكِلي الثَّلاثةِ والعشرينَ معَ شادي،

حتّى أتمكَّنَ منَ المقارنةِ

هنا -إخواني- يبدأُ الحوارُ المفترضُ بينَ ندى وعائشةَ

حوارٌ بسَّطْنا فيهِ بعضَ ما قالتْهُ أمُّنا عائشةُ في الأحاديثِ،

وأضفْنا فيهِ ما يساعدُ في رسمِ الصّورةِ،

معَ مراعاةِ أنْ تبقى ألفاظُ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-

وأفعالُه بحَرفِيَّتِها دونَ أيِّ تصرُّفٍ

علمًا بأنَّ مصادرَها الأحاديثُ الصَّحيحةُ

الَّتي سنذكرُها لكُم في التَّعليقاتِ،

ولم نلجأْ فيها لأيِّ حديثٍ ضعيفٍ،

فلا ينبغي الاعتراضُ بعدَ ذلكَ بأنَّنا نَنسبُ إلى السّيرةِ ما ليسَ منْها!

طَيبْ بدأَ الحوارُ

بدأَتْ ندى بسؤالِ عائشةَ:

- حضرتُكِ عائشةُ زوجةُ محمَّدٍ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-؟

- نعمْ - تسمحينَ لي بأسئلةٍ؟

- نعمْ

قالتْ ندى في نفسِها: شادي جافٌّ،

لمْ يعُدْ يعبِّرُ لي عنْ حبِّهِ،

بلْ بدأْتُ أشُكُّ أنَّهُ يحبُّني!

فسألَتْ: هلْ كانَ رسولُ اللهِ يعبِّرُ عنْ حبِّهِ لكِ؟

تبسَّمَتْ عائشةُ وحنَّتْ:

- كانَ يقبِّلني قبُلاتٍ عابرةٍ وهوَ صائِمٌ،

ولمّا سألوهُ: منْ أحبُّ النّاسِ إليكَ؟ قالَ: عائشةُ

في مجتمعٍ لم يألَفْ منْ قبلُ التَّصريحَ بمحبَّةِ الزَّوجةِ

- مرضْتُ مرَّةً فلمْ يُظهِر لي شادي لطفًا أوْ عنايةً خاصَّةً،

- فسألَتْ: هلْ كان يشعرُكِ النَّبيُّ بالاهتِمامِ إذا مرضْتِ؟

-كانَ يتلطَّفُ بي لطفًا خاصًا،

ويضعُ يدَهُ موضِعَ الألمِ فيدعُو لي

- عندَما أكونُ في أيَّامِ عُذري كأنثى، أكونُ متوتِّرةً بعضَ الشَّيءِ،

ومعَ ذلكَ لا يراعيني شادي

معَ أنَّهُ كطبيبٍ نفسيٍّ يفهمُ ما أمرُّ بهِ،

فسألتْ: طَيِّبٌ هلْ كانَ رسولُ اللهِ يراعيكِ في فترةِ عذرِكِ؟

"كان معي في هذهِ الفتراتِ ألطفَ ما يكونُ؛

أشربُ وأنا حائضٌ، ثمَّ أُناولُ الإناءَ للنَّبيِّ،

فيتعمَّدُ أنْ يضعَ فمَهُ على المكانِ الَّذي شربْتُ منهُ،

وآكلُ اللَّحمَ، ثمَّ أناولُهُ النَّبيَّ

فيتعمَّدُ أنْ يضعَ فمهُ على مكانِ فمي

تطييبًا لخاطري، وإذهابًا لحُزني،

وجاءَني العذرُ وأنا أحُجُّ، فبكيْتُ خَشيةً منْ فسادِ حَجّي

فقالَ ليَ النَّبيُّ: هذا أمرٌ كتبَهُ اللهُ على بناتِ آدمَ،

ثُمَّ ذكرَ لي ما عليَّ فعلُهُ"

قالَتْ ندى في نفسِها: شادي يستسخفُ اهتماماتي الأنثويَّةِ،

ويُشعرُني بعدمِ الاحترامِ

فسألَتْ: طَيِّبْ، هل كانَ رسولُ اللهِ يراعي اهتِماماتِكِ؟

تبسَّمَتْ عائشةُ، وقالَتْ:

"ذاتَ مَرَّةٍ كانَ هناكَ أحباشٌ يلعبونَ في المسجدِ بالحرابِ، فسألَني رسولُ اللهِ:

أتحبّينَ أنْ تنظري إليهم؟ فقلتُ له: نعمْ،

فقامَ نحوَ البابِ، وقمْتُ وراءَهُ،

ووضعْتُ ذَقني على كتفِهِ وألزقْتُ خدّي بخدِّهِ، وسَترَني بردائِهِ

بعدَ فترةٍ سألَني: وحسبُكِ؟ -يعني بكفي-

فقلْتُ لهُ: يا رسولَ اللهِ لا تَعجَلْ

فبَقيَ واقفًا من أَجْلي

وبعدَ فترةٍ قالَ: حَسبُكِِ؟ فقلْتُ: لا تَعجَلْ يا رسولَ اللهِ

وبَقيَ قائمًا حتّى انْصرفْتُ أنا؛

لذلكَ قلْتُ أعلِّمُ النّاسَ أجمَعينَ أنْ يهتمّوا بحاجاتِ الصَّغيراتِ،

فاقدُروا قَدرَ الجاريةِ الحديثةِ السِّنِ الحريصةِ على اللَّهو؛

ليقتَبِسوا منْ هذا الُخلُقِ العظيمِ

لقدْ تزوَّجَني رسولُ اللهِ صغيرةً،

فكنْتُ أَلعبُ بِلُعَبٍ على شكلِ بناتٍ في بيتِهِ،

ويلعبُ معي بعضُ البناتِ منْ جيلي،

وكُنَّ يهَبْنَ منَ النَّبيِّ إذا رأينَهُ، فيختَفينَ

لكنَّ رسولَ اللهِ يُدخلُهنَّ عليَّ ليُشعرَهنَّ أنْ خذوا راحتكُنَّ

ومرَّةً، رأى لُعبي، فقالَ:

ما هذا يا عائشةُ؟ فقلْتُ: بناتي

ورأى بينَهنَّ فرسًا له جناحانِ، فقالَ:

ما هذا الَّذي أرى وسْطَهنَّ؟ فقلْتُ: فرسٌ، قال: وما هذا الَّذي عليهِ؟ قلْتُ: جناحانِ

قالَ: فرسٌ له جناحانِ؟ قلْتُ: أَما سمعْتَ أنَّ لسليمانَ خيلًا لها أجنحةٌ؟

فضحكَ النَّبيُّ حتّى رأيتُ نواجِذَهُ؛

يعني كُنْت عَايشَة حَياتِكِ مَعَهُ أيَامَ الصِّبَا؟

تمامًا! كنتُ أتعلَّمُ منْهُ أثناءَ ذلكَ كلَّ شيءٍ يفعلُهُ؛

أَلعبُ، أمرحُ، أتعلَّّمُ، وأتعبَّدُ...

بنفسٍ مطمئنَّةٍ، مستقرَّةٍ، سويَّةٍ

واستمرَّ اهتمامُهُ بي، ومراعاتُهُ لحاجاتي، وأنا شابَّةٌ

قالَتْ ندى في نفسِها: شادي لا يهتمُّ بِمُتَعلِّقَاتي،

انكسرَتْ أُسوارةٌ بألفَي دينارٍ

كانَتْ أمّي أهدَتْني إيّاها،

طلبْتُ منْهُ أنْ يُصلحَها ولا زَالَتْ أمامَه على الكَمدينة منْ شهورٍ،

وكلَّ ما ذكَّرتُهُ بها قالَ:

اليومَ، وغدًا... اليومَ وغدًا

فسألَتْ: هلْ كانَ النَّبيُّ يهتمُّ بمتعلّقاتِكِ؟

ابتسمَتْ عائشةُ، وقالَتْ:

خرجْتُ معه مرَّةً في سفرٍ، فانقطعَ عِقدٌ لي،

فأقام النَّبيُّ في المكانِ ريثما نجدُهُ،

وأقامَ أصحابُه معَهُ، وليسَ معهمُ ماءٌ، ولا حتَّى ليتَوضَّؤوا بهِ!

جاءَ أبي -أبو بَكرٍ-غاضبًا لأنّي تسبَّبتُ في تأخيرِ الجميعِ

فضغطَ على خاصرَتي ضغطًا مؤلمًا، ورسولُ اللهِ نائمٌ على فخذي

فلا يمنعُني منَ التَّحرُّكِ إلّا خوفي أنْ يصحوَ النَّبيُّ، وأفسدُ عليهِ راحتَهُ

على فكرةٍ، انقطعَ معي عقدٌ مرَّةً أخْرى

وكانَ بَحثي عنهُ، وتأخُّري عنِ الجيشِ -لأجلِ ذلكِ-

سببًا في حادثةِ الإفكِ، وافتراءِ المنافقينَ عليَّ،

ولم يُعاتبْني رسولُ اللهِ على تكرارِ سقوطِ عِقدي

قالت ندى في نفسِها شادي أنانيّ يُفضِّل نفسَه علَيّ

أحيانًا نعود كلٌّ مِّنَّا أنا وهو من عملنا متأخرَيْن ولا طعام في البيت

يدعوه أحد أصحابه فيخرُج ولا يسأل عنّي،

فسألتْ: هل كان رسول الله يُفضِّل نفسه عليكِ أحيانًا في الطعام أو الشراب؟

بدا على عائشة علامات الاستغراب والاستنكار

-أبدًا؛ كان لنا جارٌ فارسيٌّ طعامه طيِّب،

فصنع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعامًا،

ثم جاء يدعوه، فقال رسول الله: وهذه عني؟ (يعني معزومة معي؟ مدعوة معي؟)

فقال: لا، فقال رسول الله: لا،

(يعني لا أستطيع تلبية الدعوة ما لم تكن عائشة معزومة معي)

فعاد جاره يدعوه، فقال رسول الله: وهذه؟ قال: لا، فقال رسول الله: لا،

ثم عاد في مرَّةٍ أخرى يدعوه، فقال رسول الله: وهذه؟

قال: نعم، فقمتُ مع رسول الله إلى منزل جارنا هذا.

-طيِّب، لماذا رفض أن يذهب وحده؟

-عرف أنّي أحب هذا الطعام وقد كان الطعام عندنا قليلًا،

فأراد أن يُّشاركني حالي فإمّا أن نَّأكل معًا أو نجوع معًا.

هزّ الموقف ندى وعنى لها الكثير.

-طيِّب، لماذا كان الطعام عندكم قليلًا؟

-كان المالُ والهدايا والطعامُ يأتي النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-

فيعطي الفقراء وأهل الصُفَّة،

ويصبر وأصبر أنا معه وكيف لا أصبر وأنا أراه يرفض أن يّأكل بدوني؟

-آسفة على السؤال: شابّةٌ جميلةٌ ذكيةٌ مثلكِ،

هل أُعطيتِ يومًا من الأيام الفرصة لتعيشي حياةً أكثر تنعيمًا

ولو بعيدًا عن رسول الله؟

يعني هل فكرتِ في فِرَاقه؟

-فِرَاقه! ضحكت عائشة ثم قالت سأخبركِ بشيء:

كنتُ أنا وأزواج النبيِّ نطلب منه متاعًا من الدنيا وألححْنا عليه في الطّلب كثيرًا،

وكنّا نغار عليه كلٌّ منّا تريد أن تستأثر به ما استطاعتْ،

وحصل أن نكيد بعضنا لأجل ذلك؛

فغضب منّا النّبيُّ وكفَّ عن الحديث معنا شهرًا ثم أنزل الله آيةً

يُخيِّرنا فيها بين البقاء مع النَّبيّ على خشونة العَيش أو الطلاق مع الإحسان

وإعطائنا شيئًا مّن مّتاع الدنيا.

فبدأ النَّبيّ بي وقال: يا عائشة إنّي أريد أن أعرض عليكِ أمرًا،

أُحبُّ أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبوَيكِ

فقلتُ: وما هو يا رسول الله؟ فتلى عليّ قول الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ

الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ

وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)

وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ

فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}.

وانتهى النَّبيُّ وهو ينتظر ألّا أجيبه حتى أستشير أبَوَيّ، فقلتُ له:

أفيكَ يا رسول الله أستشير أبوي؟

أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة،

ففرح رسول الله بذلك.

أفيك يا رسول الله أستشير أبوي!

ما أحلاها من كلمة رنَّت في كيان ندى وهي ترى هذا الحب الذي لا رجعةَ عنه

من فتاةٍ ترى نفسها مع زوجها روحًا حلّت في جسدَين فلا يمكن أن يّنفصلا.

تذكَّرتْ ندى كيف أنَّها طلبتْ الانفصال من شادي

لكنَّه لمَّح أنَّه لن يُّسامحها

بأيٍٍّ مِّن الأشياء التي اشتراها لها ولم يكتبها باسمها،

فهي تبقى معه تعلّقًا بهذه الأشياء، ليس اهتمامًا به،

بينما عائشة أُعطِيت الفرصة لتفارق النَّبيّ وتستمتع بالدنيا وزينتها،

لكنها اختارتْه بلا تردد.

قالت ندى في نفسها: الوقت الذي يُمضِيه شادي معي ليس “Quality time”،

ليس وقتًا نوعيًا بل يكون شارد الذهن فسألت: رسول الله كانت مهمّاته عظيمة ومشاغله كثيرة

هل كنتِ تُحسّينَ مع ذلك أنه متفرِّغٌ لكِ عاطفيًا وهو معكِ؟

-كان يعطيني حقِّي كاملًا وَّهو معي حاضرًا ببدنه وذهنه،

يستغلُّ كل فرصةٍ للتَّفاعل معي والتَّقرُّب منّي، يقوم بلفتات لطيفة تعني لي الكثير،

لذلكَ ترَيْنَ أحاديثَ كثيرةً أرويها عنه فإنّي لم أكن على هامش حياته بل في صميمها.

كان النَّبيّ يقرأ القرآن في حجري وأنا حائض

-سيقرأهُ؟! -سيقرأه على كل حال،

بدل أن يقرأه بعيدًا عنِّي يقرأه في حجْري.

تصوَّرتْ ندى هذه الصورة الطاهرة الراقية تصوَّرتْ رسولَ الله يقرأ بصوت عذب،

رأسُهُ في حجْر عائشة تمسح بيدها على شعره وتستمع له في قِمّة المحبَّة والانسجام.

قالت عائشة: كنّا نمضي أوقاتًا مرحة، حتى في الاغتسال نغتسلُ من إناءٍ وَّاحدٍ

نَّتسابق على الماء مُتَمازحَيْن أقول له: دعْ لي دعْ لي ويقول هو: دعِي لي دعِي لي

بمودّةٍ وَّأُنسٍ وَّخفَّة روحٍ وَّملاطفة.

تبسَّمَتْ عائشة ثم قالت: سافرتُ معه مَرّةً وكنتُ صغيرةً خفيفةَ الوزن،

فقال لأصحابه: تقدَّموا فتقدّموا، ثم قال: تعالي أُسابقكِ فسابقتُه فسبقتُه،

ثمَّ كبرتُ وزاد وزني ونسيتُ سباقنا الأوَّل وخرجتُ معه في سفر،

فقال لأصحابه: تقدّموا فتقدّموا، ثم قال: تعالي أسابقكِ،

فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذا الحال؟ فقال: لتفعلِنَّ فسابقتُه فسبقني

فجعل يضحك، وقال: هذه بتلك السبقة.

قالت ندى في نفسها: شادي ينقل مشاكله في العمل إلى داخل البيت،

فسأَلتْ: ألم تكن أعباء الحياة ومكائد الكفار والمنافقين ضدَّ النَّبيِّ

تؤثِّرُ على حياتكم واستقراركم؟

-بل كان كأنَّه يخلع الهموم على عتبات البيت حين يدخل عليّ،

فلا أرى منه سوى الودّ والطمأنينة وهدوء النفس وحُسْن العِشْرة.

-يعني كنتِ تُحسِّين معه بالأمان مع كلِّ هذه الظروف!

-طبعًا وأيُّ أمانٍ أكثرُ من هذا؟