مقابلة مع الفيزيائي شون كارول – عربي (1)
أود أن أنوه أن الترجمة شبه حرفية، لذلك لن تكون مصاغة بأسلوب جيد من ناحية اللغة العربية، وفي نفس الوقت فإن لغة الحوار متقدمة، فسيصعب على البعض فهمها، وسيحتاج لقراءة الكتب لتتبع بعض الأفكار، وفي الحقيقة أنني لم أود تبسيط اللغة بهدف ألا أطيل البودكاست أكثر، وكذلك أردت أن أبين أن لغة العلماء والفلاسفة هي أكثر تعقيدا من اللغات المعتادة وعليك أن تلحق بركب المفاهيم الحديثة، وهو تحدي أتمنى أن تقبله، لتبدأ بالقراءة متابعة الحوارات العميقة والمحاضرات المعقدة.
أشكر لميس العبيدي لمشاركتها في ترجمة هذه المقابلة كثير الشكر، الترجمة هو أمر متعب جدا، وقد تطوعت للعمل من غير مقابل.
معنا اليوم شون كارول بروفيسور في الفيزياء النظرية من معهد كاليفورنيا للتقنية. هو متخصص في العديد من المواضيع في الفيزياء، ومنها نظرية المجال والجاذبية وعلم الكونيات والوقت، وهو ومؤلف للعديد من الكتب ومن أحدثهم كتاب (من الأبدية إلى هنا: البحث عن أقصى نظرية عن الوقت) وأفضل الكتب مبيعا (الصورة الأكبر: على أصول معنى الحياة والكون نفسه)، كتابه الأحدث، وهو هذا، يتضمن آرائه الفلسفية على مكاننا في الكون وكيف ينبغي لنا أن نتفهمه.
محمد: رائع أنك معنا شون.
شون: شكرا جزيلا على دعوتي.
محمد: في كتابك (الصورة الأكبر) جمعت أفكارا مستمدة من العلوم والفلسفة، وحاولت أن تجد لكل منها معان، وقدمت فكرة للإيمان بما نصدق به وكيفية التحدث عن هذه المواضيع المختلفة، ومن الجدير بالذكر أنك طرحت فكرة الطبيعانية الشعرية، هل من الممكن أن تخبرنا بشكل موجز عن ذلك؟
شون: بالطبع، أحب أؤكد أنه عندما نتحدث عن الكتاب سيبدو ظاهريا أنه معقد، إنني أضع الكثير من الأفكار معا، ولكن هناك الكثير من الأسئلة التي أتحدث عنها التي لا أعتقد أننا نمتلك لها إجابات نهائية، ما وددت الإشارة إليه أن لدينا أسلوب تفكير عن الإطار الذي تتناسب معه الأسئلة، سواء كنا نتحدث عن فيزياء أو فلسفة أو أحياء أو علم الكونيات، إنه الكون نفسه الذي تشرحه، ويجب أن تكون لنا طرقا منسجمة مع بعضها. لذا الطبيعانية الشعرية تأخذ هذه الصورة في الاعتبار.
الطبيعانية تعني أن هنالك عالم واحد، العالم الطبيعي واحد، يمكننا استكشافه بالنظر إليه. الشعرية تعني أن هنالك طرق متعددة للتحدث عن العالم. وكل هذه الأساليب قد تكون حقيقية في آن واحد. فيمكننا التحدث عن الكراسي والطاولات والهواء في الغرفة أو الأرض التي تحت أقدامنا، ويمكننا – أيضا – التحدث عن الجسيمات والقوى التي تشكل القوانين الأساسية للفيزياء. لمجرد أن إحدى تلك الطرق هي الأكثر شمولا للتحدث عن الكون، فذلك لا يعني أن الطرق الأخرى ليست أساليب حقيقية للحديث.
محمد: هل هذه مشكلة في الطبيعانيون، أي أنهم غير قادرين على هذا النوع من الخطاب… هذه المستويات المختلفة من المفردات؟
شون: لا اعتقد أنها مشكلة. اعتقد أنها أصناف من الطبيعانية. بعض الناس يودون أن يكونوا متطرفين، إن شئت، يقولون إن أعمق وصف للواقع هو الشيء الوحيد الحقيقي. قاصدين وصف ميكانيكي كمي للجسيمات والقوى والمجالات، ويريدون نفي أن الأشياء كالوعي والإرادة الحرة حقيقة، وأتوقع أن هذا يعني نفي حقيقة الكراسي والطاولات أيضا، لا يبدو أن اتخاذ هذا الموقف أمر جيد من وجهة نظري.
ومن جانب آخر، هناك طبيعانيون ممن يريدون إضافة شيء للعالم المادي، يريدون إضافة الأرقام، أو الواقع الأفلاطوني كعالم آخر منفصل، أو أن هنا وعي جوهري للعالم بالإضافة لماديته الواقعية، لا إن اعتقد الطبيعانية الشعرية تحتاج لهذه الأمور كذلك.
محمد: في الطبيعانية، هنالك عدة مدارس مختلفة تتحدث عن الطبيعة بلغاتها الخاصة، ففي الكيمياء هنالك لغة، وفي البيولوجيا لدينا لغة أخرى، فما المختلف في الطبيعانية الشعرية، ما الذي أضفته لهذه الصورة؟
شون: إنه الاعتراف أن كلها حقيقية في نفس الوقت، أعتقد أن معظم الناس ستتفق إن الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات حقيقية، وهي الجسميات التي تكون الذرة التي نتكون منها جميعا، وهم أيضا يتفقون أن طاولات والكراسي والهواء أيضا حقيقية، وهي أشياء حقيقية في نفس الوقت، تستطيع أن تصف العالم باستخدام إحدى أنواع المفردات أو مفردات أخرى، وذلك شيء مقبول.
كونك طبيعاني شعري ستقول أنه لا يوجد شيء متناقض في ذلك، وهذا يساعدك على فهم الأسئلة الأكثر تعقيدا، مثل حرية الإرادة، تستطيع أن تتخيل ما يقوله الناس، وفعلا الناس تقول: “إن كانت قوانين الفيزياء تحدد ما ستفعله، إذن ليس هناك إرادة حرة،” أعتقد أن هذا الشيء ليس صحيحا بالضرورة، إن كانت أفضل طريقة للتحدث عن البشر – وهم يعيشون حياتهم الطبيعية – هي التي تستخدم فكرة حرية الاختيار فيم يفعلونه، فكلا طريقتي الحديث تتفقان تماما مع بعضهما في نفس الوقت.
أعتقد من الخطأ أن نمنح الواقع الظواهر المنبثقة مثل الكراسي والطاولات، ولا نمنحها للظواهر المنبثقة مثل حرية الاختيار والوعي.
محمد: يبدو أن ذلك معقولا، لنمسك ببعض الأفكار التي كانت لديك في الكتاب، هناك أفكار كثيرة، مثل التفكير البيزي، والسبب والمسبب، وسهم الوقت، والنظرية الجوهرية (والتي أحببتها كثيرا)، ونظرية الحقل الكمومي، والظواهر المنبثقة، وهو الشيء الذي لمحت إليه قبل قليل، لنتوجه للتفكير البيزي، لقد ذكرت في كتابك إن هذه هي إحدى أساليب التفكير أو الإيمان بأشياء معينة في الحياة، هل من الممكن أن تشرح ذلك؟
شون: حسنا، القسيس توماس بيز – كان قسا شيخيا قبل مئات السنين، لم يكن مفكرا رائدا في وقته، ولكنه كتب أطروحتين في الرياضيات، وفي احدهما أثبت مبرهنة، وقد عُلق عليها بيير سيمون لابلاس وغيره لاحقا، إنها نظرية بسيطة، وهي مبرهنة من الناحية الرياضية، ليس هناك شك ما إذا كانت صحيحة أو غير صحيحة، إنها مبرهنة، والمبرهنات صحيحة إن قبلت بديهياتها، وهي تقول: إن كانت لديك بعض الريبة، وإن كانت هناك عدة أشياء قد تكون صحيحة، ولكنك لا تعرف أي منها صحيح، سوف تضع لكل منها مصداقية بدرجات مختلفة، أو احتمالية صحة شيء، فمثلا، سأرمي بعملة، وستسقط على الوجه أو الكتابة، أنا لا أعرف إي وجه ستسقط عليه بعد، وكذلك أعرف أنه سيكون 50% صورة و50% كتابة، وما يقدمه لك بيز هو طريقة لتعديل هذه الاحتمالات بعدما تكتشف معلومات جديدة.
فإذا كنت تتساءل من سيفوز بالانتخابات الرئاسية، ثم تتعلم شيئا جديدا عن فضيحة أشيعت، هذا قد يجعلك تعدل الاحتمالات التي تقدمها – في أي جهة كانت، إذن هي طريقة عامة جدا جدا – آلية هائلة – لإضافة المعلومات الجديدة عما نعتقده عن العالم، ومن الناحية المثالية، فكلما حصلنا ما على معلومات أكثر فأكثر، فإن معتقداتنا ستقترب من الاتفاق مع بعضنا، وكذلك الاتفاق مع الحقيقة.
محمد: لماذا تعتقد أنها طريقة عملية للإيمان؟ ما أعرفه عن التفكير البيزي أنه جدلي، فهناك طريقة أخرى للتفكير في الأشياء أو لتصحيح الإيمان.
شون: مرة أخرى، أعتقد أن المبرهنة ليست في محل جدل، المبرهنات هي مبرهنات، هناك جدل عن… هناك عدة جدليات، هناك جدلا عن طبيعة الاحتمالات، هناك بيزيون يعتقدون أنه في كل مرة تستخدم فيها كلمة احتمال، أنت تستخدم نوع من أنواع الإيمانيات البيزية، لديك شيئا من الجهل، لا تعلم ما سيحدث لاحقا، وبهذا تكون بيزي، هناك أناس أخرين يطلق عليهم التكراريون، يعتقدون أن المنطق السليم الوحيد لكلمة الاحتمال هو أن تتخيل تكرار الشيء عدد لا نهائي من المرات، وترى الجزء الذي يتوجه في وجهة بدلا من أخرى، فلو قلبت القطعة النقدية عدد لا نهائي من المرات، نصف السقطات ستكون صورة والنصف الآخر كتابة. هذا الأسلوب لا يعمل بطريقة جيدة إن كنت تتحدث عمن سيربح كرة القدم الأمريكية، أو من سيفوز بالانتخابات، هذه الأشياء تحدث مرة واحدة، إنها لا تحدث مليون أو عدد لا نهائي من المرات، العديد من الناس اليوم يعتقدون أن المنهج البيزي في الاحتمالات هو أكثر مرونة وأكثر قوة.
محمد: عظيم، أظن أننا نوعا ما نستخدم هذه الفكرة في حياتنا اليومية بشكل ضمني، ولكننا لا ندرك أنها بيزية، لنتوجه للسبب والمسبب، وهو مثير بالنسبة لي لأنك تذكر أنه لا يوجد شيء اسمه سبب ومسبب، وهذا مربك، إذن، كيف يكون وأن السبب والمسبب ليسا في الفيزياء، وأنها مجرد تفاعلات، ماذا عن المعادلات التي تحتوي على الوقت؟ هناك العديد من المعادلات التي تحتوي على الوقت، وبعضها يحتوي على فارق الوقت حيث يكون هناك بداية زمنية ونهاية زمنية وهناك فرق بين هذين الشيئين، فكيف لا يوجد السبب والمسبب، وكيف تفسر عدم وجود الوقت؟
شون: أعتقد أن هذا هو الشيء المهم، وهو أن في قوانين الفيزياء لا يوجد هناك فرق بين الوقت الابتدائي والوقت النهائي وكيفية جريان الأمور، هذا هو الفرق بين الفيزياء الحديثة – ولنقل – فيزياء ما قبل 2500 سنة حينما كان يفكر أرسطو بطريقة عمل الأشياء، أرسطو كان غائيا، كان يعتقد أن الأشياء تتحرك ناحية الأهداف، وأن الأشياء لها طبيعة وجودية، فمثلا لو أن شيئا كان على الأرض فإن حالته الطبيعية هي أن يكون متوقفا عن الحركة، إذا أردته أن يتحرك فلابد أن تدفعه، يجب عليه أن تحركه، وبعد أن تحركه سينتهي بالتوقف مرة أخرى، وذلك لأن هذه هي حالته الطبيعية، إذن هناك مجموعة من العلاقات من الأسباب والمسببات، إن كان الشيء يتحرك، إذن هناك شيء دفعه.
أما في الفيزياء الحديثة لدينا أشياء مثل قانون حفظ الزخم، إذا كان هناك شيء في الفضاء لا يخضع للاحتكاك ومقاومة الهواء والتبدد، فإن الأشياء تبقى في حركتها إلى الأبد، لا تحتاج لأن يكون هناك شيء يدفعها أو شيء يتسبب بها، لذلك الطريقة المبدئية الميتافيزيقية التي تتكلم فيها عن العالم يتحول من القول بأن هناك أسباب مرتبطة بمسببات إلى القول بأن هناك أنماطا في الطبيعة، إذا قدمت لي العالم في أي لحظة زمنية فإن قوانين الفيزياء – من الناحية المبدئية – ستخبرك ماذا سيحدث لاحقا وماذا حدث قبل ذلك، المعلومات المتوفرة في الكون أو أي جزء مغلق منه هو مناسب بنفس الدرجة ليصف تطوره في أي وقت تقدم لي هذه المعلومات. إذن، هو هذا النوع من التصرف النمطي استبدلت المفهوم القديم للمسببات التي تتقدم الأسباب – في الفيزياء الحديثة.
محمد: لقد ذكرت أن ميكانيكا الكم بالتحديد ليس فيها مسببات وأسباب بالتحديد، هل من الممكن أن تشرح ذلك لي؟
شون: ما أقصده بذلك إنها بالضبط مثل الميكانيكا الكلاسيكية، لأن الميكانيكا الكلاسيكية لا تحتوي على السبب والمسبب أيضا، هناك سوء فهم منتشر إن في مرحلة المكانيكا الكلاسيكية التي أعدها نيوتن – وقبل أن تنشأ ميكانيكا الكم – كان هناك سبب ومسبب، لأن قوانين الطبيعة هي حتمية، أما في ميكانيكا الكم فلا يوجد السبب المسبب لأن الاحتمالات ترتبط بها، أعتقد أن هذه هي طريقة خاطئة تماما في التفكير، وجود السببية هي ذاتها في الميكانيكا الكلاسيكية وميكانيكا الكم، وهي أنها غير موجودة، الاعتقاد القديم بكيفية عمل الفيزياء فكرة عفا عليها الزمن ، الأحداث تعمل كالأنماط حيث تربط لحظة زمنية بالأخرى، وليس على أنها علاقات سبب بمسبب.
محمد: الشيء الذي يحيرني هو أني أعلم لو أني دفعت سيارة من الخلف، فإنها ستتحرك لأنني تسببت في حركتها، إذن الدفع هو المسبب وتحرك السيارة هو السبب، كيف لك أن تلغي ذلك لمجرد وجود الأنماط؟
شون: بالضبط، الإجابة هي الطبيعانية الشعرية، وهذا مدخل مثالي، لأن المثال الذي تطرحه هو مناسب تماما، لم يكن أرسطو غبيا، أعني أنه كان محقا، أنه حينما تدفع بشيء سوف يتوقف، وإذا أردت أن تحركه لابد أن تدفعه مرة أخرى، سواء أكانت سيارتك أو كتابا على طاولة أو أي شيء كهذا.
الشيء المثير هو هذا السلوك ليس موجودا في أعماق القوانين الفيزيائية الأولية، في القوانين الفيزيائية حينما تدفع الشيء سوف يستمر في الحركة، ما يحدث هو أن هناك طبقة منبثقة من الواقع تظهر ونجربها في حياتنا اليومية، طبقة حيث يوجد الاحتكاك، حيث يوجد التبدد، وفي هذه الطبقة حيث يوجد سهم الوقت الواضح الذي يميز الماضي من المستقبل، فمن المناسب جدا أن نستخدم لغة السبب والمسبب، وهذا ما دفع أرسطو لاستخدامها، وهذا السبب الذي يجعلنا نتحدث عن السبب والمسبب في حياتنا اليومية دائما، ليس القصد أن السبب والمسبب غائبين عن الكون كلية، القصد أنهم موجدان في الكون الماكروي المنبثق، ولكنهما ليسا في الكون الميكروسكوبي الأولي.
محمد: واضح واضح، ذلك منطقي.
محمد: هناك حقائق صارمة، وليس هناك محل لإضفاء التفسير عليها، لقد ذكرت ذلك في كتابك، ما الأمثلة على ذلك؟
شون: بالطبع فإننا لا نعلمها، ما حاولت أن أبينه في الكتاب أنه قد تكون هناك حقائق صارمة، يجب أن نكون منفتحين لهذا الاحتمال، ليس لدينا الحق المسبق في أن يكون لكل شيء تفسير، قد يكون وأن وجود الكون هو حقيقة صارمة، أو من الممكن أن حقيقة كتلة الإلكترون هي 1 إلى 1800 لكتلة البروتون هي حقيقة صارمة، ربما لن تكون كذلك، قد يكون هناك تفسيرا أعمق، ربما هناك طريقة أفضل للتفكير بها ولم نكتشفها بعد، وأنا متفق مع التفكير بعمق بالتساؤل “من أين أتى الكون؟ ولماذا لدى الجسيمات الكتل التي تمتلكها؟ أو لماذا البشر موجودون؟ إلخ.
ولكن ما لا نستطيع الإصرار عليه – ومن غير مغادرة الكرسي الوثير – إيجاد تفسيرات أو إجابات لهذه الأسئلة بحيث تقنعنا.
محمد: إذن، هذا يبدو لي وكأنه عذر للهروب، أنت تقول أنه قد لا توجد إجابات على هذه الأسئلة بحيث تكون أكثر عمقا مما نعرفه الآن، أو أننا نصل إلى عمق ليس بعده عمق أكبر، وأننا يجب أن نطمئن لمثل هذا الاحتمال، أليس ذلك وكأنه الاعتقاد بمفهوم ميتافيزيقي، حيث أن الذين يؤمنون بها في راحة لعدم معرفتهم للإجابات، فهم يقبلونها عميانيا.
شون: أعتقد أنه على العكس من ذلك، أقصد أن لا تقبلها عميانيا، أنت دائما تقوم باختبار لترى إن كنت تستطيع أن التحسين، ولكن من المحتمل أن أفضل ما يمكنك القيام به هو الوصول للحقيقة من غير أن يكون هناك عمقا تفسيريا آخر، ليست المسألة هي أن تصدق عميانيا أو تحسن، لأنك ستكون دائما قادرا على التحسين، ولكن لا يمكنك الإصرار أن هناك تفسيرا أفضل ينتظر الاكتشاف.
محمد: إذا قال أحدهم… لنفترض أن كتلة جسيم معين هو رقم معين، ولسنا قادرون على اكتشاف معنى أعمق، هل أستطيع أن أبتدع إجابة بنفسي؟ هل أستطيع القول أن لدي سبب لذلك، وأنني أعتقد أن هذا هو السبب، ولأننا لا نستطيع أن نجد أسبابا أكثر عمقا من ذلك، إذن أستطيع أن أختلق أي عذر له، هل يعد ذلك مقبولا؟
شون: حسنا إنه مقبول، ولكن لابد أن تختبر هذه الفكرة، يجب أن تطبق تعقلك البيزي عليه، يجب عليك أن تحاول التحسين، العلم لا يدعوك للتوقف، لن تصل إلى نقطة تكون فيها متأكدا 100% أن الفكرة التي لديك هي أفضل ما تمتلكه. إذن تستخدم العملية التي أسميها في الكتاب “Abduction”: الاستدلال بأفضل تفسير ممكن. أفضل تفسير لديك لشيء قد يحتوي على مجموعة من الحقائق الصارمة، ولكنك تستطيع محاولة التحسين، وإن نجح شخص ما في التحسين فإن الجميع سيغيرون آراءهم، وسوف يتقبلون هذه الفكرة أكثر.
محمد: حسنا، لننتقل لمؤشر الوقت، ما هو مؤشر الوقت؟ وكيف نفهمه في الفيزياء؟
شون: سهم الوقت من الناحية المبدئية هو حقيقة أن الماضي والمستقبل مختلفان، وهذه هي حقيقة بسيطة إلى درجة أننا نعتقد أنها لا تحتاج لتفسير، لقد حدث الماضي، وهو يبدو وكأنه شيء مختلف عن المستقبل الذي لم يحدث بعد، مرة أخرى، بعد أن نتعلم كيف يعمل الكون ونفهم قوانين الفيزياء بشكل أفضل بقليل، هذه القوانين الفيزيائية لا تعامل الماضي والمستقبل باختلاف، لا تختار وضعا خاصا لما نسميه بـ”الآن”، إنها تعامل الماضي والحاضر والمستقبل – كل لحظات الزمن – بنفس الدرجة، وهذا قاد الفيزيائيون والفلاسفة لتكوين نظرة للواقع يطلق عليها اصطلاح “كون البلوك” حيث يكون للماضي والحاضر والمستقبل عناصر متساوية من الواقع، ثم سنحتاج أن نفسر لماذا يبدو الماضي والمستقبل مختلفان، لماذا يبدو أننا نتحرك من الماضي إلى المستقبل، وهذا هو سؤال مؤشر الوقت.
ونحن نفهم الإجابة، والإجابة موجودة في القانون الثاني للديناميكية الحرارية، مبدأ أن الإنتروبيا تزداد كلما تطور الكون، الإنتروبيا هي قياس الفوضى أو العشوائية في الكون، حينما بدأ الكون عند الانفجار العظيم حوالي 14 مليار سنة في الماضي، كان منتظما جدا وغير عشوائي، ومنذ أن تطور إلى الآن تزداد العشوائية فيه، وهذه هي أصول كل الطرق التي تجعل الماضي والمستقبل يبدوان مختلفان بالنسبة لنا.
محمد: حينما تقول كان هناك نظاما قبل 14 مليار سنة في الماضي، ثم تقول أن الفوضى ازدادت اليوم، أنت تضع الزمن في الشيء الذي تتحدث عنه، ويبدو وكأنه تعريف دائري، أليس كذلك؟
شون: حسنا، هناك الوقت، وهناك مؤشر الوقت، وهذان شيئان مختلفان، فهناك المكان، لدينا ثلاثة أبعاد للمكان، أعلى وأسفل، ويمين ويسار، وأمام وخلف، وهو يعمل بشكل جيد، إنه مفهوم جيد، ولكن ليس هناك مؤشر للمكان، ليس هناك اتجاه مفضل في المكان، حتى لو يكن هناك وجهة للوقت، سيكون هناك الوقت، لو كان لديك بندولا يتأرجح ذهابا وإيابا، فهو لا يظهر مؤشرا للوقت، ولكن الوقت يمر، حينما نقول أن الكون بدأ بحالة معنية، وتطور إلى حالة أخرى، ثم تطور إلى حالة أخرى أيضا، نستطيع إعادة صياغة ذلك كله من غير الرجوع للماضي والحاضر والمستقبل، كان هناك وقتا حينما كان الكون في حالة من النظام الانفجارية كوينة، كان هناك وقتا آخر حينما كان الكون يحتوي على المجرات والنجوم والكواكب، وهناك وقت أخر حينما كان الكون فارغا ولا يحتوي على سوى الطاقة الداكنة تملأه وتعجله، وكل هذه اللحظات المختلفة من الكون كانت منسقة بنظام، ونستطيع أن نسمي إحدى الوجهات “الماضي”، والاتجاه الآخر “المستقبل”.
محمد: لقد ذكرت الإنتروبيا، هل تستطيع أن تشرح الإنتروبيا، لأنني أعددت حلقة بودكاست قديمة عنه، وقد احتار العديد من الناس عن ماهيته.
شون: من الطبيعي أن تكون هناك حيرة، لأن هناك عدة طرق للتفكير بالإنتروبيا، وهناك عدة طرق يعرفه بها الفيزيائيون، ولكنها ببساطة كمية الفوضى أو كمية العشوائية، فحينما تكون لديك بيضة غير مكسورة، إنها تحتوي على انتروبيا منخفضة، هي منتظمة، فهناك الصفار والبياض والقشرة، وإن كسرتها وانتشرت حول الغرفة أو المطبخ فسترتفع الإنتروبيا، وإذا خلطت الكريمة مع القهوة، فستبدأ بإنتروبيا منخفضة ثم ترتفع، إذا فتحت قنية عطر لينتقل العطر من النظام بداخل القنينة لينتشر حول الغرفة سترتفع الإنتروبيا لأنها تركيبة فوضوية، وهذا ما يحدث بشكل طبيعي مع مرور الوقت. الأشياء تنتقل من النظام إلى الفوضى.
اللغز الحقيقي هو لماذا كان الكون منتظما ابتداء؟
محمد: ولماذا يصبح أكثر فوضوية؟
شون: لقد اكتشف هذا الشيء الفيزياء النمساوي ليوفيغ بولتزمان في القرن الثامن عشر، فلأن هناك طرقا أكثر لتكون غير منتظم من أن تكون منتظما، فإذا كنت تفكر في خلط ورق اللعب، إذا كانت الأوراق كلها منتظمة من الآس الإثنين الثلاث الأربع إلى جاك والملكة والملك فليس هناك طرق كثيرة لتكون بهذا النظام، ولكن لو خلطتها ستكون هناك الكثير من التنظيمات التي تحسب على أنها خلطة، هناك تركبيات أكثر أنتروبية تكون فيها الأوراق متوزعة عشوائيا، لذلك إن بدأت منتظمة وتركت لشأنها فمن الطبيعي أن تتجه للفوضى.
محمد: لقد قرأت الجزء من كتابك الذي يتحدث عن التحول من الحالة الأكثر تنظيما إلى الأكثر فوضوية، في الوسط تحدث تجتمع الأشياء لتكون أكوان كما يحدث معنا الآن حيث نحن في نقطة مرتفعة، هل من الممكن أن تتحدث عن ذلك لو سمحت؟
شون: نعم، من الطبيعي أن نتساءل: لماذا – حينما يصبح الكون أكثر فوضوية بمرور الوقت – تتكون هياكل معقدة كالنجوم أو الكواكب أو المجرات، أو أشياء حية مثل الإنسان وأنا وأنت والنباتات والحيوانات على الأرض، إن الفرق بين البساطة والتعقيد هو سؤال مختلف عن الفرق بين النظام والفوضى.
حينما يكون الكون أو أي نظام منتظما جدا، سيكون بسيطا، حينما بدأ الكون عند الانفجار العظيم كان مكانا بسيطا جدا، كل شيء كان منتشرا بنعومة، وفي المستقبل البعيد جدا جدا عندما تموت جميع النجوم وتتبخر جميع الثقوب السوداء، ولا يبقى سوى المكان الفارغ، سيكون بسيطا مرة أخرى، البداية كانت بأنتروبيا منخفضة، والمستقبل سيكون بأنتروبيا عالية جدا، حتى وإن كان كلاهما بسيطا، إنه الآن، وفي الوسط، حيث أن الكون متوسطا في الإنتروبيا منتقالا من الإنتروبيا المنخفضة إلى العالية، الآن سيصبح الكون معقدا.
إذن التعقيد ليس مضادا للفوضى، التعقيد ينشأ لأن الكون في وجهة من التنظيم إلى الفوضى، إذا كنت تتكلم عن الكون مبتدأ من إنتروبيا منخفضة، ويتطور إلى انتروبيا متوسطة ومعقدة، ثم يتطور أكثر إلى إنتروبيا أعلى وبساطة مرة أخرى، مثال بسيط على ذلك هو الكريمة والقهوة، تخيل أن لديك كوبا من القهوة، وكريمة في الأعلى، وهي ليست مخلوطة بعد، هذه إنتروبيا منخفضة، إنها منتظمة برقة بوجود الكريمة في الأعلى والقهوة في الأسفل، وكذلك فإنها بسيطة، إذا خلطتها باستخدام ملعقة، فستوف تختلط كلها مع بعض، ستكون غير منتظمة وبإنتروبيا عالية، ولكنها أيضا بسيطة مرة أخرى، إنه في الوسط، حينما تخلط بالملعقة وتتكون الامتدادات اللولبية من الكريمة، لتحدث أنماطا فركتالية أثناء اندماجها مع القهوة، عندئذ تكون معقدة، التعقيد يتكون في الوجود طبيعيا على الطريق من البساطة والنظام إلى البساطة والفوضى.
محمد: إذن، حاليا الكون في حالة من التعقيد في هذا الوقت.
شون: صحيح، هذا شيء لا ندعي فهمه من الناحية حسابية، وإن يود العلماء ذلك، ليس لدينا معادلات جيدة للتعقيد، وكيف يأتي ويذهب، ولكن الصور النوعية تبدو أنها تتماسك، ونحن نحاول فهمها بعمق أكثر فأكثر.
محمد: لنتوجه إلى النظرية الجوهرية، برأيي، إنها تعد واحدة من أقوى الأفكار التي ذكرتها، إنها نظرية الحقل الكمومي، وكنت مستغربا أنك أعطيتها كل هذا الدعم والإيمان القوي على أنها المرجع الصحيح، وعلى أنها كاملة في وصفها حياتنا اليومية، ولا يوجد أي شيء أخر لدعم صحتها، أحتاج إلى توضيح لذلك.
شون: بالضبط، يجب أن تطلب… يجب أن تكون شاكا في الأمور المبالغ بها، ولكن، بالتحديد فإن هذا الفارق يبدو أنه بسيطا، ولكن سيجد الناس صعوبة في فهم الفرق ما بين “فهم كل شيء” و”فهم الجزء الفرعي الصغير الذي يكون كل حياتنا اليومية”، وأقصد في “حياتنا اليوم” أنا وأنت الغرف التي نحن فيها، والأشياء التي نستطيع أن نلمسها بأيدينا ونراها بأعيننا الآن وهنا، هذه الأشياء مكونة من مجموعة من الجسيمات، الإلكترونات والكوركات والفوتونات والنيوترونات.. إلى أخره، ونعلم ما هي هذه الجسميات وكيف تتفاعل، وهذا هو أمر تسطيع ادعاءه، وتستطيع أن تعطي أسبابا لصحته، وليس لمجرد أنها نظرية جيدة، وأننا لم نجد أمثلة مضادة لها بعد، إننا نعتقد لو كانت هناك أي انحرافات عن النظرية فنحن على ثقة أننا كنا قد اكتشفناها، وهذا لأنه هناك تفاصيل محددة في ميكانيكا الكم ونظرية الحقل مكنتنا من إنتاج جسميات وقوى جديدة إن وجدت، إذا كانت موجودة وهي قوية بما فيه الكفاية لتؤثر على حياتنا اليومية بأي طريقة سيكون بإمكاننا أن ننتجها في المختبر، وقد جربنا ذلك ولكننا لم نستطع، إنها ليست موجودة.
إذن، نحن لسنا قريبون بتاتا من أن ندعي أننا نفهم كل شيء أو حتى أعمق مستويات الحقيقة في الغرفة التي نحن فيها، فنحن لا نعلم إن كان الزمكان هو شيء أولي على سبيل المثال، ولكن حتى لو اكتشفنا يوما ما أن الزمكان ليس أوليا، ستبقى الحقيقة أن هناك طبقة من الواقع المنبثق والتي تشمل الزمكان والإلكترونات والبروتونات… إلى أخره، على أنها جزء من وصفها، وهذا الوصف سيكون صحيحا حينما نطبقه على هذه الطبقة من الواقع.
محمد: ماذا عن المادة المظلمة، هل يحتمل أن تكون المادة الداكنة جسيم يضاف إلى تلك الجسيمات؟
شون: بالتأكيد، المادة الداكنة قد تكون جسيما يضاف إلى تلك الجسيمات، والمادة الداكنة لا تؤثر على حياتك اليومية، لو أنها تؤثر لاكتشفناها قديما، وسيكون ذلك عظيما، ولكننا جربنا وفشلنا.
محمد: حسنا، ما هو العبور المتناظر Crossing Symmetry؟
شون: العبور المتناظر هو إحدى خصائص نظرية الحقل الكمومي، والذي يسمح لنا بالقول بكل ثقة أنه لا توجد جسيمات لم نكونها، ولم نكتشفها بعد، ومع ذلك تعلب دورا هاما في حياتنا، يمكنك أن تتصور طرقا مختلفة لتفاعل الجسيمات مع بعضها، على سبيل المثال لديك نوعان من الجسيمات – لنقل – الإلكترون والبروتون، يمكنهما أن يتبعثران من بعضهما، ويمكن أن يرتدان عن بعضهما، إذن في الماضي كان هناك إلكترون وبروتون، وفي المستقبل هناك إلكترون وبروتون، وكلاهما يرتدان عن بعضهما، والعبور المتناظر يقول لو أن هذا الشيء حدث، فإن هناك شيء آخر بإمكانه الحدوث حيث تغير الجسميات التي كانت في الماضي والتي في المستقبل مع بعض، إذن، بدلا من إلكترون واحد وبروتون واحد يدخلان وإلكترون واحد وبروتون واحد يخرجان، يمكنك الحصول على إلكترون واحد وإلكترون مضاد يدخلان، وبروتون ومضاد البروتون يخرجان، والعبور المتناظر يربط أرجحية إحدى هذه العمليات بدلا من الأخرى، لذلك، لو كان هناك جسيم موجود وكان يصطدم بنا بقوة كافية ليؤثر، فنحن نعلم أن بإمكاننا انتاجه، هذه خاصية أولية لكيفية عمل نظرية الحقل الكمومي.
محمد: ماذا لو قلنا المادة الداكنة لها تأثير، ولكن ليس بذلك التأثير الذي نفهمه في الفيزياء الجسيمية، إنها مؤثرة، هناك شيء يجعل حياتنا تتغير بطريقة ما، ربما بطريقة صغيرة جدا، ولكنها ليست من ضمن هذه النظرية.
شون: نعم، مرة أخرى، كل شيء جائز، لذلك يجب عليك كبيزي جيد تدع احتمالا بسيطا ليكون مثل هذا الشيء صحيح، ولكن – كما بينت في الكتاب – أن الخصائص الأولية لنظرية الحقل الكمومية لا تسمح لمثل هذا الشيء، وهذا لا يعني أن هذا الشيء غير محتمل، ولكن لو أن شيء من هذا سيحدث ستخالف ليس فقط نموذج ما لفيزياء الجسيمات، عليك أن تخالف الخصائص الأولية لنظرية الحقل الكمومية، وهذا يعني مخالفة إما مكانيكا الكم أو النظرية النسبية على مستوى أعمق، وميكانيكا الكم والنظرية النسبية أُسسا نظريا بشكل جيد وكذلك تجريبيا اختبات بشكل هائل، إذن بإمكانهما أن يكونا خاطئين، كل شيء جائز، ولكن ليست هناك أدلة على أنهما خاطئتين، وهناك أدلة قوية جدا جدا جدا جدا جدا إنهما صحيحتان.
محمد: وكأنك تقول أنه هناك مجال حيث تعمل فيها النظرية، وخارج هذا النطاق قد لا تعمل، ولكننا نعلم أن هذا هو مجالها “حياتنا اليومية”، ما هو الفرق بينها وبين الميكانيكا النيوتونية، هي أيضا لديها مجالها، ونحن نعلم أن بُعيد ذلك المجال لابد للذهاب إلى النظرية النسبية، ونحن نعرف حدود الميكانيكا النيوتونية، إذن لماذا سيكون هذا مختلفا عن نظرية الحقل الكمومي؟
شون: هذا سؤال رائع! الإجابة الحقيقية هي انه كان لدينا سبب للاعتقاد قبل 200 سنة أن الميكانيكا النيوتونية صحيحة في نطاق محدد، ولكننا لم نعرف، أو لم يكن هناك طريقة لمعرفة كم هو حجم هذا النطاق، لم نكن نعرف أن هناك شيء يطلق عليه سرعة الضوء، حيث تنكسر القوانين الكلاسيكية النيوتونية، لم نكن نعرف أن هناك شيء اسمه ثابت بلانك في الميكانيكا الكمية حيث تنكسر القوانين الكلاسيكية النيوتونية، إذن كنا نعرف حيث اختبرناها، ولكننا لم نعلم إلى أي مدى نستطيع أن نوسع مداركها أبعد من تلك الاختبارات التي قمنا بها.
ولكن في حالة نظرية الحقل الكمومي، مثل العبور المتناظر والذي لا يوجد في الميكانيكا الكلاسيكية النيوتونية، لنقل استطعنا أن نكتشف كل فضاء الطرق التي بإمكان الجسيمات التأثير على حياتنا اليومية، إذن، نحن قادرون على أن نقول هذه هي النقطة التي بعيدها يمكن للظواهر الجديدة أن توجد، ولكن حياتنا اليومية لا تتعداها، أنها مكونة من طاقات منخفضة كثيرا، ومسافات طويلة كثيرا، وحرارات منخفضة كثيرا، ونحن في مأمن حينما نثق بالنظرية الجوهرية في هذا النظام.
محمد: لكل المتسمعين الذين يتسمعون حاليا، أقصد الذين سيستمعون للبودكاست لاحقا، أنت لا تدعي أننا نعرف كل شيء عن الفيزياء، ولكن نحن نستطيع أن نفهم كل شيء في حياتنا اليومية باستخدام هذا النوع من النظريات.
شون: حسنا، طبعا أنت محق، بالتأكيد أنا لا أقول أننا نفهم كل شيء، لاحظ أنني فيزيائي نظري، وهذه وظيفتي، هناك أشياء جديدة لا نفهما، نحن لا نفهم الانفجار العظيم، ولا نفهم المادة الداكنة، ولا نفهم الثقوب السوداء، هناك الكثير الكثير من الأشياء التي نفهما، ولكن أنا حذر في قولي أن ما نفهمه هي قوانين الفيزياء المتضمنة في حياتنا اليومية، وهو ليس القول بأننا نفهم حياتنا اليومية، نحن لا نفهم البيولوجيا أو الاقتصاد أو السيكولوجيا، إنها ظواهر منبثقة محددة تخرج من هذه القوانين الفيزيائية المتضمنة في حياتنا اليومية، إذن نحن نفهم الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات التي تكوننا، ولكن لا يعني ذلك أننا نفهم كيف نفكر أنا وأنت.
محمد: حسنا، لنتحدث عن الظواهر المنبثقة بما أنك تحدثت عنها، ما هي الظاهرة المنبثقة؟
شون: الظواهر المنبثقة هي أجزاء من الطبيعانية الشعرية، وهي الطبقات التي بنيت على بعضها، الظواهر الطبيعية هي طريقة للقول بأنه قد يكون لديك وصف تفصيلي ميكروسكوبي للنظام، من الممكن أن تصف الهواء في الغرفة من ناحية الذرات والجزئيات التي تكونه، ولكن هناك طريقة أخرى للحديث عن النظام والذي يكون أكثر خشونة، تتراجع، أو طريقة ماكروسكوبية للتفكير في الأشياء، وهذا الشيء ليس واضحا حينما ننظر للفيزياء الميكروسكوبية، إذا كنت تعلم كل شيء عن الذرات والجسيمات، قد لا تعرف أن هناك طريقة أخرى للحديث، والتي لها علاقة بحرارة الهواء والضغط السرعة والرطوبة وأشياء مثل هذه، قد تكون ذكيا بما فيه الكفاية لاشتقاق الوصف المنبثق من الوصف الكامن، أو ربما لا تستطيع، ربما تحتاج أن تكتشفه باستخدام مجموعة أدوات مختلفة. ونحن حدث وأن عشنا في كون حيث توجد الكثير والكثير من الطبقات المنبثقة، ومعرفتها جميعا هو أمر مفيد لمعرفة كيفية عمل الواقع.
محمد: لقد ذكرت أن بعض الظواهر المنبثقة قد لا تكون متاحة في الأجزاء المكونة لها فرادى، كما أفهم الموضوع، لو أن لدي كل صفات الجسيمات ثم أقوم بنمذجتها باستخدام كمبيوتر فإن كل الظواهر المنبثقة من المفروض أن تكون موجودة في هذه النمذجة، لماذا تقول أنها تظهر، وأنها صفات جديدة وأنها غير موجودة حتى وإن جمعت أجزائها؟
شون: بالطبع فإنك تستطيع تخيل محاكاة كل الصفات في المستوى الميكروسكوبي، وبالتأكيد تستطيع أن تعرف ماذا سيفعله النظام، ولكن ذلك لن يخبرك أن هناك شيء آخر أكثر كفاءة من الناحية الحسابية للحديث عن النظام في نفس الوقت. لو أضع كل جزيئات الهواء في الغرفة على الكمبيوتر وأقوم بنمذجته، فإن الكمبيوتر لن يطرق على بابي ليقول من المفروض عليك أن تفكر في الحرارة والضغط، بدلا من التفكير في كل جزيء على حدة.
محمد: حسنا، ذلك منطقي جدا.
محمد: سأسألك عن شيء يحب أن يسمعه بعض أصدقائي المختصين في الفلسفة وهو أن العلم لا يثبت شيئا، وقد ذكرت هذا الشيء في الكتاب عدة مرات، “العلم لا يثبت شيئا،” على الأقل ليس بالطريقة التي تثبت بها المبرهنات الرياضية، أنا أعرف أنها ليسا ذات الشيء، ولكننا نستخدم كلمة “إثبات” لنقول أن تجربة ما أثبتت نظرية ما أو فرضية ما، كيف تقول أنها لا تثبت شيئا؟
شون: نعم، واحدة من الأشياء التي أتحدث عنها في الكتاب هي أناس مختلفين وسياقات مختلفة تستخدم كلمة إثبات لتعني أشياء مختلفة، ولذلك أنا أستخدم نسخة صارمة منه للتأكيد على الاختلافات بين ما يقوم به العلماء وما يقوم به المنطقيون والرياضيون. حينما يثبت الرياضيون مبرهنة، كما أثبت توماس بيز مبرهنته، هناك 0 قدر من الشك أن المبرهنة خاطئة إذا قبلت فرضيات النظرية، حينما أثبت أقليدس مبرهنة فيثاغورس، بمعطيات بديهيات الهندسة الإقليدية إنها صحيحة، ليس هناك محل للشك، ولكن في العلم نحن لا نعلم ما هي البديهيات، ولن نعلمها، ولكن أفضل ما نستطيع أن نقوم به هو جمع أدلة أكثر وأكثر، لزيادة احتمالات ادعاء معين على أنه صحيح أو غير صحيح.
المثال الكلاسيكي على ذلك أننا لا نعرف أن الشمس سوف تشرق من الشرق غدا، نحن نعتقد أننا متأكدون، وأن الاحتمال الأكبر أنها ستحدث، ولكن بإمكاننا أن نتخيل سيناريوهات بموجبها لا تحدث. إذن العلم لا يصل إلى مستوى اليقين 100% كما تستطيع أن تتخيله في المنطق أو الرياضيات.
محمد: ربما لا يصل العلم إلى ذلك المستوى الذي يدعي أننا متأكدون 100%، ولكنه يقول لك أننا متأكدون 100% مع وجود نسبة من الخطأ، إذن هو يخبرك مجال تطبيقه أو صحته، أليس ذلك دليلا كافيا؟
شون: أنا لن أقول أبدا أنه مؤكد 100% في أي شيء، كما ذكر ديكارت في الماضي، قد يكون وأن شيطانا شريرا يسخر منا، حيث يخبرنا أن كل معلوماتنا الحسية ليست صحيحة، وفي نسختنا المعاصرة قد نكون أدمغة في وعاء متعرضة لمحفزات خاطئة عن العالم الخارجي، سأعطي هذه الحالات احتمالات منخفضة جدا جدا، وهذا شيء مقبول، هذه هي طريقة عمل العلم، العلم يستطيع أن يقول إن الشيء صحيح بثقة 99.9%، ولكن لن أسمي هذا إثبات الشيء بنفس الطريقة التي يثبت بها الرياضي الأشياء.
محمد: كيف يكون ذلك مختلفا عن شخص يؤمن بالأفكار الميتافيزيقية؟ ليس لديهم إثباتات، ويستطيعون أن يقولوا لك: “بما أن العلم ليس لديه الإثبات وكذلك نحن، فماذا لا تتقبل أفكارنا؟”
شون: كلها ترجع إلى المنطق البيزي، كلها ترجع لمحاولة تبيان أن أفكارك هي خاطئة، وهذا ما يفعله العلماء، من الضروري أن لا تعتقد أن العلم هو 100% واثق، بالنسبة مبرهنة بيز فإنك لو كنت واثقا 100%، فلا يمكن لأي معلومة جديدة أن تغير فكرك، وهذه ليست هي طريقة عمل العلم، العلم مفتوح دائما ليغير “تفكيره” حينما تأتي معلومات جديدة، وإذا أخذت هذه المعلومات الجديدة، وعدلت على إيمانياتك بأسلوب مناسب، ستقترب أكثر فأكثر لكيفية عمل العالم.
محمد: حسنا، إذن، أود أن أسألك سؤالا يتحدى النظرية الجوهرية، لنرجع إلى النظرية الجوهرية، في الكتاب تتحدث عن الروح، وأنها غير موجودة، وإذا أثبت أحدهم أن الروح موجودة، سيكون هناك تأثير على النظرية الجوهرية، لندع الروح جانبا لأننا لا نعرف شيئا عنها، لنتكلم عن شيء نحن نعرفه وهو الوعي، نحن نعرف أن الوعي موجود بديهيا، إنه في أذهاننا، نحن نرى تلك الصور في رؤوسنا… “المسرح الديكارتي”، ونحن نعلم جميع الجسيمات في النظرية الجوهرية على سبيل المثال، ولدينا كل الأجهزة التي تستطيع قياس كل هذه الجسيمات، ونحن نعرف كيف نخلقها، ولكن حينما نفكر، أو حينما نتخيل صورا، ليست هناك جسيمات خارجة من المخ نستطيع كشفها لنقول أن هذه الصور التي نراها هي من ضمن الجسيمات الجوهرية أو نظرية حقل الكمومي، ما الذي يحدث في هذه الحالة؟ هل هذا يكسر النظرية الجوهرية؟ هل الوعي والذي هو جزء من حياتنا اليومية ليس مشمولا بالنظرية الجوهرية؟
شون: أعتقد أنه مشمولة بامتياز في النظرية الجوهرية، بالطبع فإن الجميع لا يتفقون على ذلك، لا ندعي أننا نفهم الوعي بشكل قاطع، بالتأكيد، ما أحاول أن أفعله في الكتاب هو جعل الناس تقدر هول أي ادعاء يريدون ادعاءه حتى لا يقولوا أن عدم قدرتنا على فهم الوعي يقودنا لكسر أو إضافة أو تعديل قوانين الفيزياء على مستوى عميق بطريقة ما، بالنسبة لي إن هذا الشيء هو ذاته كنمذجة الهواء على الكمبيوتر، تستطيع أن تنمذج الجسيمات ولكن الكمبيوتر لن يخبرك أن الهواء حار، أو أنه سيوصف بمعجم يحتوي على الحرارة والضغط، بنفس الطريقة، تستطيع أن تصف كل الجسيمات في المخ من إلكترونات وبروتونات ونيترونات، ونستطيع أن نصف ما تفعله، وهذه المعلومات لن تقول لك أن المخ هو واعي ومفكر ومدرك لذاته، ولكنه لن يمنعه من أن يكون حقيقيا في نفس الوقت، إنها طريقة أفضل لوصف النظام المنبثق على مستوى مبثق من الوصف.
محمد: يبدو أنه من الصعب فهم إمكانية توضيح الوعي باستخدام الجسيمات المادية التي نعرفها حاليا، أظن أنك تعتقد أنه هذه هي ظاهرة منبثقة، لست متأكدا…
شون: أعتقد ذلك، عليك أن تضع شيئين في الاعتبار، أولهما، بالطبع أنه سيكون صعبا فهم الوعي، إنه أحد أصعب الأشياء التي نعرفها في الكون، سيكون مفاجئا لو كان سهل الفهم، ثانيا، تغيير القوانين الفيزيائية لن يساعدك بأي طريقة واضحة، لقد حاول الناس، فكروا بمسائل عميقة عن الوعي، فكيف لدينا تجارب داخلية وهي نوعا ما شخصية مباشرة، وطبيعتها “الشخص الأول”، كيف يمكن أن نصفه عن طريق جسيمات تصطدم ببعضها؟ ولكن تغيير القوانين الفيزيائية لا يبدو أنه يساعدنا في هذا السؤال، أظن -في النهاية – سنفهم ما يفعله المخ أكثر فأكثر، وسوف يضمحل هذا السؤال، سنقول: نعم، حينما يمر الإنسان بنوع من التجربة الشخصية لوعي إدراكي، فإن هذا ما يحدث للمخ في ذلك الوقت، والسابق هي طريقة للتحدث عن اللاحق.
محمد: حسنا لنتحدث العوالم المتعددة، وهو الشيء تحدثت عنه بإسهاب في كتابك السابق، هل من الممكن أن تحدثنا العوالم المتعددة لو سمحت؟
شون: نعم، إنه اسم سيء لنظرية جيدة، أنا لا أمانع الاسم، أنا أستخدمه شخصيا، ولكنه سيعطي الناس انطباعا خاطئا بالتأكيد، فكرة العوالم المتعددة ترجع إلى ميكانيكا الكم حيث لدينا أشياء نشاهدها مثل غزل الإلكترون، الإلكترون يدور مع عقارب الساعة أو ضد عقارب الساعة، وهي حقيقة مُلاحَظة في الطبيعة، بإمكان الإلكترون أن يكون في حالة من المستحيل التنبؤ بها بتيقن، مثل ما إذا كان سيدور مع أو ضد عقارب الساعة، ولكن بإمكاننا معرفة احتمالات استدارتها في وجهة أو أخرى، ولما تنظر لها سترها تدور في إحدى الوجهات، لن تراها في حالة تراكب، هذه هي الغرابة في ميكانيكا الكم، إنها تقول أنه حينما لا تنظر إليها ستكون في حالة من تراكب الاستدارة مع وضد عقارب الساعة، ولكن حينما تنظر لها ستراها في حالة واحدة. إحدى طرق التفكير بها – الأسلوب التقليدي – هي أن حالة الإلكترون تنهار من تمازج بين الحالتين إلى حالة واحدة مؤكدة.
أما نظرية العوالم المتعددة تقول أن الاحتمالين يتحققان، وقد كان الإلكترون قبل وبعد في حالة من التراكب في الاستدارة مع عقارب الساعة وضدها، ولكنك أنت أيضا كنت في حالة خاصة حينما نظرت إلى الإلكترون، وأنت الآن في حالة من التراكب بحيث رأيت الإلكترون يدور مع عقارب الساعة، وكذلك رأيت دورانه عكس عقارب الساعة، هذا هو تنبؤ مباشر من المعادلات الكامنة في الميكانيكا الكمية، ومن معادلات شرودنجر، والتي تحكم تطور الحالات الكمية.
المشكلة أن الناس لا تحبها، الناس لا تود أن تصدق عواقب المعادلة، لذلك فهم يعملون بجدية لإلغاء كل الاحتمالات الأخرى من الواقع.
محمد: أين تذهب هذه الأكوان؟ لماذا لا نستطيع أن نراها؟
شون: إنها لا تذهب إلى أي مكان، إنها لا تزال موجودة.
محمد: أقصد أين هي؟ هل هي في أبعاد مختلفة؟ هل تنفصل في أبعاد مختلفة؟
شون: السؤال، “أين هي؟” مستشكل، حيث يفترض وجود مكان لها، نحن نصف العالم في الميكانيكا ليس من خلال القول بأن هناك أشياء واقعة في المكان، إنما هناك فضاء مجرد مكون من الاحتمالات، اسمه فضاء هيلبيرت، وهو مكان وجود الدالة الموجية، وهو حيث تتطور، وفي مغزى آخر هذه العوالم الأخرى وهذه الاحتمالات المنشقة للدالة الموجية للكون تعيش في فضاء هليبيرت، الطريقة الأكثر تعقيدا لشرح ذلك هي من الناحية الرياضية، لكل حالة من حالات الكون وفي أي وقت يشتمل على كل هذه الاحتمالات.
محمد: هل هذه الأكوان تخلق كلما قمنا بقياس موقع الإلكترون؟
شون: نعم، إنها تتكون دائما.
محمد: ماذا عن قانون حفظ الطاقة؟ ألا يتعارض ذلك معه؟ لأنك تخلق المادة من.. من.. من أين تأتي الطاقة؟
شون: ما يحدث هو أنه كلما يتفرع العالم، فإن الجزء من الكون كله الذي يحتوي على كل الأفرع الذي يعطى لأي فرع ينخفض، مثل أن تقطع قطعة من الخبز إلى نصفين، فإن كمية الخبز لا تزداد، لا يزال هناك قانون حفظ الخبزة، أحدهما في أحد النفصين، والآخر في النصف الآخر، والشيء ذاته صحيح لميكانيكا الكم، هناك تفرعات أكثر وأكثر، ولكن كل فرع لديه جزء من الكون، وهو أصغر وأصغر.
محمد: لماذا تعتبر العوالم المتعددة أكثر عقلانية لديك من تفسير كوبهاغن؟
شون: أعتقد أنها معرّفة بشكل أفضل، تفسير كوبنهاغن، هو منظور تقليدي أُسس له في العشرينيات والثلاثينيات عن طريق نيلز بور ووارنر هايزنبيرغ وآخرين، إنه ضبابي بشكل محبط، ومعرف بسوء، إنه يتصور أن هناك عالم كلاسيكي، حيث نعيش أنا وأنت، وهناك عالم كمي حيث تعيش الجسيمات فيه على المستوى الميكروسكوبي، والقياسات والملاحظات هي ظواهر تنطوي بالضرورة على تقاطع بين العالم الكلاسيكي والعالم الكمي، وهي لا تخبرك متى تحدث هذ القياسات، ومتى تنهار الدالة الموجية، وماذا يعتبر قياسا.. إلخ.
إذن، إنها لا ترتفع إلى المستوى الذي يعطيك نظرية فيزيائية محترمة، والعوالم المتعددة تعطيك ذلك، إنها واضحة وصريحة، قد لا تكون صحيحة، مرة أخرى، مثل البيزي الجيد، قد تكون هناك احتمالات أخرى، والتي من الممكن أن تكون صحيحة، ولكن العوالم المتعددة ليست غامضة فيما يحدث حينما يتطور الكون ويتغير.
محمد: بالنسبة لي، كلاهما يبدوان غامضين، لأنه بالرغم من محاولتك لجعلها عالما كلاسيكيا إلا أنك قسمتها إلى عدة عوالم كلاسيكية لا ترى أو لتقاس أو لتفهم، ولا تستطيع أن تعرف في أي عالم ستكون، إنها مربكة بنفس الدرجة.
شون: نعم، ذلك صحيح، ولكن هذا ما تخبرنا به المعادلات، وهي المعادلات أختبرت بشكل جيد.
محمد: حسنا، أيها حصل على اتفاق من العلماء؟ أي التفاسير أكثر قبولا؟
شون: لا يوجد اجماع، الفيزيائيون المهنيون لا يفكرون بهذا الموضوع بعمق، تستطيع أن تعيش حياتك بافتراض أن هناك قواعد أساسية تعطيك الإجابات الصحيحة في ميكانيكا الكم، من غير التفكير بعمق في أسس الموضوع.
محمد: هنالك سؤال آخر، ذكرت في نقطة ما في الكتاب، أنك تستطيع أن تحصل على المعاجز في ميكانيكا الكم، ولكنها نادرة جدا، أو أنها باحتمالية ضئيلة تحدث، على سبيل المثال، تحول الخمر إلى دم كما في المسيحية، ولكن إن استطعت أن تضع العديد من المجربين في الكون، فلن يتحول الخمر إلى دم حتى لو كان لديهم عمر الكون كله، ولكن لو أخذنا تفسير العوالم المتعددة، فإن العالم سوف ينشق إلى درجة أن على الأقل واحدة من تلك العوالم تحتوي على خمر يتحول إلى دم، لماذا لا يكون هذا الكون هو كوننا، وأن المعجزات يمكنها أن تحدث؟
شون: من الممكن أن تكون، ولكنها كلها موجودة، إذا كنت ستعتمد على تفسير العوالم المتعددة، لابد أن تكون منصفا، هناك عوالم كثيرة جدا جدا جدا، وفي جزء هائل جدا منها فإن هذه الاحداث لا تحدث.
محمد: أنت تقول لأنه هناك عدد قليل منها، لذلك لا يجب علينا أن نكترث أن واحدة أو اثنتان منها حصل فيها هذا الشيء؟
شون: نعم، لا أدري لماذا تكترث، هناك أشياء أكثر غرابة تحدث في الكثير من تلك العوالم، حينما يقول أحدهم أن لديه عملة، وسيقوم بتقليبها، وسيقلبها مئة مرة، وإذا هبطت على الكلمات في كل مرة، سيعطيك دولارا، وإذا هبطت على الصورة ولو مرة واحدة أنت تعطينه دولارا، ومن الغباء أن تقول: “حسنا، بما أنه من الممكن أن يحدث هذا الشيء إذن سأراهنك”، يجب عليك أن تتبع الاحتمالات كما تفرض النظريات …
محمد: لا، لا أنا أفهم ذلك، لنقل أننا نحن في ذلك العالم الذي تحول فيه الخمر إلى دم…
شون: لماذا تقول ذلك؟
محمد: لماذا لا نقول ذلك؟ إنها إحدى العوالم.
شون: نعم، ولكنه جزء بسيط جدا جدا جدا من العوالم.
محمد: أعتقد أنني سوف أنهي النقاش عند هذه النقطة، عند هذه النقطة المربكة بالنسبة لي على الأقل، وسأطلب من المستمعين أن يتوجهوا لشراء الكتاب وقراءته، لأنه أكثر عمقا من… هذا النقاش لم يشتمل على جميع الأفكار التي يحتويه، وهو كتاب رائع، استمتعت بقراءته.
شكرا لك شون لهذه الفرصة.
كان معنا اليوم شون كارول بروفيسور في الفيزياء النظرية من معهد كاليفورنيا للتقنية، شكرا كثيرا.