الأهرامات وحزام أوريون 1
سنة 1979، كان مهندس مدني بلجيكي إسمه روبرت بوفال ينتظر في مطار هيثرو بلندن موعد إقلاع طائرته
كان رايح السودان للعمل في أحد المشروعات
أثناء إنتظار الطائرة كان بيقرأ في كتاب بعنوان لغز نجم الشعرى
لكاتب إسمه روبرت تمبل
كان الكتاب بيتحدث عن معتقدات قبائل في إفريقيا، تعرف بإسم قبائل الدوغون" موجودة حاليًا في مالي
القبائل دي من آلاف السنين، تقوم كل 50 سنة، بعمل طقوس ورقصات مشابهة لحركة نجم الشِعرى في السماء
كانوا بيعتقدوا إن الطقوس دي هتؤدي إلى الإتصال بالأموات في السماء
الغريب إن الشعرى عبارة عن نجم توأم، يعني نجمين مش نجم واحد
معروفين بإسم (سيريوس أ) و (سيريوس ب)
سيريوس ب بيدور حول أ دورة كل 50 سنة، وده معناه إن قبيلة الدوغون كانت على علم بالسر ده
وبتعمل طقوسها كل 50 سنة، على هذا الأساس في الوقت اللي بتكتمل فيه الدورة
سيريوس أو الشعرى أحد ألمع النجوم، وينتمي إلى مجموعة تعرف بإسم الكلب الأكبر
الأكثر غرابة إن (سيريوس ب) تم إكشتافه بس من 150 سنة
ولا يمكن مشاهدته بالعين المجردة، لازم تليسكوب، ومعرفناش نصوره إلا في العام 1970
طيب إزاي الدوغون عرفوا حركة النجم ده وهو ما يتطلب معرفة بعلوم الفلك من قبائل تظهر عليها سمات البساطة والبدائية
هنا أعرب (روبرت تمبل) مؤلف الكتاب عن إعتقاده بأن المعلومات الفلكية اللي عند الدوغون أكيد متوارثة عبر ألاف السنين من قدماء المصريين
وإن معرفة سر نجم الشعرى لازم يبحث عنه في تاريخ مصر القديمة
الكتاب ده دفع (روبرت بوفال) في رحلة بحث إستغرقت من عمره أكثر من عشر سنين
توصل بنهايته إلى نظرية ممكن تعيد كتابة التاريخ المصري كله
توصل إلى أن مصر بنيلها وأهراماتها .. هي صورة السماء على الأرض
روبرت بوفال.. من مواليد مدينة الإسكندرية ولما وصل عمره 12 سنة رحل مع أهله إلي لندن وإتخرج كمهندس مدني وكمل حياته هناك
زيه زي ملايين شغلت الأهرامات جزء من تفكيره
أوائل التمانينات كان في زيارة للمتحف المصري بميدان التحرير
شاف متعلق على الحيطة في المتحف صورة للأهرامات
راح روبرت وتوقف أمام الصورة وفضل يتأملها
كانت صورة مأخوذة من طائرة، تمثل الأهرامات من منظور مرتفع على بعد 2 كم تقريبا
وهو أمام اللوحة خطر على باله 3 أسئلة احتار في إجابتها
السؤال الأول – ليه في 3 أهرامات ؟..يعني مثلا ليه مش 2 وليه مش 4 أو 5؟
الإجابة المعروفة في المراجع إن الأهرامات هي مقابر ملوك الأسرة الرابعة اللي إتبنت سنة 2500 ق.م تقريبا
وإن دي 3 أهرامات خاصة بالملوك خوفو وخفرع ومنكاورع
لكن اللي بيدعوا للتساؤل مثلا إن خوفو له إبن إسمه الملك جدفرع بنى هرمه في منطقة أبو رواش على بعد 10 كيلو متر تقريبا
طيب ليه مبناش هرمه معاهم على هضبة الجيزة
منكاورع برده له إبن اسمه الملك شبسسكاف وهو كمان من ملوك الأسرة الرابعة
فليه برضه مبناش مقبرته معاهم، وراح بنى مقبرته على بعد 18 كم في سقارة؟
السؤال الثاني – ليه الهرم التالت أصغر بكتير من الأول والتاني؟
الهرم التالت ارتفاعه 65 متر وحجمه نص تقريبا حجم الهرم الأول والتاني
التفسير الأشهر في المراجع هو أن الملك منكاورع بنى هرم أصغر لتقليل التكاليف لكن التفسير ده برضه مش مقنع
لأن هرم منكاورع يحتوي على عدد كبير من أحجار الجرانيت الأحمر بأحجام ضخمة وأوزان تصل إلى أكثر من 10 طن
الجرانيت الأحمر بيجي من على بعد 1000 كم من أسوان وقطعه ونقله صعب ومكلف جدا
يعني أنا عملت هرم أصغير صحيح بس بخامات أعلى وتكلفة أكبر
معملوش ليه من الحجر الجيري بس لو عايز يوفر في التكاليف؟
السؤال الثالث والأخير وده كان أكتر سؤال مزعج لروبرت
ليه الهرم التالت مش على نفس محور الهرم الأول والتاني؟
لو رسمنا خط يمر بمركز الهرم الأول والتاني، هنلاقيه بعيد عن التالت
كأن الهرم التالت إتبنى بس مش في مكانه الصحيح
البعض فسر إن ده بسبب جيولوجيا التربة وإنها مكانتش مناسبة
وإن الهرم لو اتبنى على نفس المحاذاة في المكان ده، كان هيحصل تصدعات وانهيارات
بس محدش قدم دليل قوي على الموضوع ده
يعني مثلا محدش عمل دراسة للتربة وقال إنه كان هيحصل هبوط لو الهرم إتبنى هنا، ده كان مجرد استنتاج
دول ال 3 نقط اللي حيروا روبرت
ليه 3 أهرامات على هضبة الجيزة؟ .. ليه الهرم التالت بتاع منكاورع صغير مقارنة بالأول والتاني؟ ليه الهرم التالت مش على نفس محور الهرم الأول والتاني؟
لسنين إحتار روبرت في الأسئلة دي ومقتنعش بالتفسيرات الموجودة
وكان في قرارة نفسه كمهندس مدني متأكد من أن تصميم الأهرامات بالأحجام والمواقع دي
حصلت كلها مرة واحدة تبعا لتصميم موحد
يعني الأهرامات كلها اترسمت على لوحة واحدة في نفس الوقت
مش ملك بناها وبعدين جه الملك اللي بعده قال أنا هبني هرم جنب والدي الملك وهكذا لأ كلها في نفس الوقت
زي مثلا لما تضع تصميم لمدينة سكنية
فتضع تصميم الشوارع والعماير والمدارس والمستشفيات في نفس الوقت وفي نفس اللوحة
أكيد في لوحة تصميم رئيسية للأهرامات.. لكن هي فين ؟ ..معرفش يوصل لإجابة
لحد ما كان في رحلة عمل في أحد المشاريع في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية
كانت أجازة نهاية الإسبوع فعمل رحلة سفاري مع أصدقائه في الصحراء
وفي ليلة كان بيتمشى مع صديقه الفرنسي اللي له معرفة بالمجموعات النجمية
فشاور له على مجموعة نجمية معينة في السماء وقال له أنها بتتكون من ثلاثة نجوم
لكنهم مش على نفس الخط ، إنما أصغرهم أبعد عنهم شوية
بص روبرت للمكان اللي صاحبه كان بيشاور عليه وصرخ صاحبه قال له مالك فيه ايه؟
قال له: أنا شايف أهرامات الجيزة في السماء
أخيرًا لقى روبرت مفتاح حل اللغز، .نجوم حزام أوريون
حزام أوريون.. هي مجموعة نجمية تتكون من 3 نجوم، وتعرف بإسم حزام الجبار
لأنها كانت جزء من كوكبة نجمية أكبر تعرف بإسم (الجبار) وبتمثل شخص قوي، ماسك فريسة
في اللحظة دي وضحت لروبرت بوفال الرؤية
لقى إن الأهرامات تتبع نسق مجموعة حزام أوريون بتطابق مدهش وده فسر له أحجام الأهرامات والمسافات بينها
نجوم حزام أوريون الثلاثة (النطاق – النيلام – المنطقة) متطابقة في الحجم واللمعان النسبي بأهرامات الجيزة التلاتة
وخط يمر بمركز نجم النطاق والنيلام، والمنطقة أبعد شوية
وأهرامات الجيزة أيضا خط يمر بمركز خوفو وخفرع، ومنكاورع أبعد شوية
يبقى هي دي الخطة الموحدة اللي كان بيدور عليها
كشف مذهل، وكانت دي هي نقطة البداية
روبرت بوفال حب يناقش الفكرة مع عدد من علماء المصريات
فبعت جواب إلى مدير قسم المصريات في المتحف البريطاني في الوقت ده د. هاري جيمس
فكان رده أن التطابق بين الأهرامات وأوريون مجرد صدفة، طبعا رد محبط جدا لكن روبرت ميأسش
وحاول مرة تانية مع عالم المصريات البريطاني المعروف د. إدواردز اللي تحمس للفكره وشجعه على مواصلة البحث
روبرت موقفش عند الحد ده، طالما أهرامات الجيزة اتبنت على نسق حزام أوريون
طيب ايه المانع إن يكون فيه أبنية تانية على نسق أجرام سماوية تانية
، فدرس متون الأهرام
ومتون الأهرام دي عبارة عن مجموعة من أقدم النصوص المصرية المقدسة
موجودة في أهرامات أوناس وتيتي ومجموعة أهرامات تانية بمنطقة بسقارة
النصوص مكتوبة في الغرف الداخلية للأهرامات وبتتكلم عن إنتقال الملك للعالم الآخر
من الحاجات اللي لفتت نظره أثناء دراسته النصوص انها تحدثت عن طريق مائي سماوي
يعني زي ما يكون نهر موجود في السماء، ففي أحد الأجزاء مثلا يقول النص على لسان الملك
وفي موقع تاني بيقول النص
النصوص تحدثت عن طريق مائي منحني في السماء وعن إنتقال الملك من الغرب إلى الشرق
علشان يسكن بين النجوم الخالدة، القدماء كانوا بيعتبروا إن النجوم هي موطن الآلهة
كثير من علماء اللغة المصرية رأوا إن المقصود بالطريق المائي المتعرج ده، هو مجرة درب التبانة
واللي بتبان وكأنها نهر متعرج في السماء وممكن تتشاف بالعين المجردة من على سطح الأرض في ليالي معينة
فيه نص مهم جدا في متون هرمس، وهو إن مصر صورة للسماوات
معظم اللي مروا على الجملة دي اعتبروا إن معناها مجازي، دلالة على الجمال والصفاء وهكذا
لكن روبرت شاف إن المقصود هو إنعكاس حقيقي للسماء وإن مصر صورة للسماوات بالمعنى الحرفي مش المعنى المجازي
دراسته أسفرت على إن مصر بنيلها و7 أهرامات ضخمة راجعة كلها للأسرة الرابعة، هي إنعكاس للسماء
نهر النيل هو صورة أرضية لمجرة درب التبانة اللي بتمثل نيل سماوي
و7 أهرامات على الأرض مكافئين ل 7 نجوم في السماء تتبع حجمها وشدة لمعانها وموقعها النسبي من درب التبانة
هرم أبو رواش مكافئ لنجم سيف، أهرامات الجيزة الثلاثة مكافأة لحزام أوريون
هرم زاوية العريان مكافئ لنجم بيلاتريكس، هرمي دهشور مكافئين لنجمي القلائص
وبكده يبقى تحقق المقصود بمتن هرمس: مصر صورة السماوات
كان المصريون القدماء بيقدسوا بصورة خاصة مجموعة "اوريون", اللي كانوا بيسموه ساحو
والشعرى .. اللي كانوا بيسموه سوبدت، لأن ظهوره كان مرتبط بحصول فيضان النيل مصدر الحياة
ومن الناحية الفلكية فإن الشعرى مرتبط بمجموعة "اوريون" التي تظهر قبله ومن الناحية العقائدية، إقترن نجم الشعرى بإيزيس
وأوريون إقترن بأوزوريس، ونجوم القلائص اقترنت بـ "سيت" شقيق “أوزوريس” وقاتله في الأسطورة المعروفة
النظرية دي بتؤدي إلى استنتاج مهم جدا وهو أن الأهرامات متبنتش بمعزل عن بعضها زي ما كنا فاكرين
لكن وضع تصميمها نفس العقلية في نفس الوقت
وكانت جزء من خطة هندسية كبرى، تستند إلى خلفية عقائدية وإعتبارات مساحية ومعرفة دقيقة جدا لأحوال الفلك
ومن أول يوم كان مصمم إن يبقى فيه سبع أهرامات في المواقع دي، تحت مظلة مشروع واحد
التصميم وضع في نفس الوقت لكن ممكن التنفيذ يكون خد أعوام طويلة مئة سنة أو 200 سنة أكتر أو أقل .. مش هي دي المشكلة
ففكرة إن الملك خوفو قرر يني هرم على هضبة الجيزة، وبعده خفرع قرر يبني هرمه جنبه وهكذا
وكل واحد بيصمم ويبني هرم بالشكل والأبعادي اللي شايفها، دي قصة واضح إنها مش صحيحة
فكرة إن الهرم المنحني كان في غلطة في زواياه حصلت أثناء البناءعشان كده بنوا جنبه الهرم الأحمر واضح برده إنها مش صحيحة
هنشوف بمرور الحلقات إن مفيش حاجة إسمها غلطة أو صدفة
وإن الحاجات اللي متسجلة في الكتب على إنها غلطات في التصميم أو البناء مش أخطاء لكنها كانت مصممة إنها تكون بالشكل دا
وإنه بالفعل كان مقصود إنه يبقى فيه هرمين في دهشور
الهرم الأحمر مكافئ لنجم الدبران، والهرم المنحني مكافئ لنجم العين من كوكبة الطور
نجم الدبران بيتم تعريفه في المراجع إنه عملاق أحمر
لإنه خلال ملايين السنين تحول الهيدروجين اللي فيه إلى هيليوم
وكان التحول دا مصحوب بإرتفاع كبير في درجة الحرارة خلت سطحه يتحول للون الأحمر
هل تعتقد إنها صدفة، إن الهرم المكافئ لنجم الدبران الأحمر دونا عن باقي الأهرامات
مبني بالحجر الجيري المائل للإحمرار، ومن هنا أطلقنا عليه إسم الهرم الأحمر
أنا ميتهيأليش طبعًا إنها صدفة، وإن كل حاجة كانت خاضعة لتصميم دقيق
بعد بحث طويل في متون الأهرام وعلاقتها بالنجوم، نشر روبرت نظريته في صحيفة أثرية علمية اسمها
Discussions in Egyptology أو مناقشات في المصريات
و شاف أنه عمل اللي عليه وربط علاقة الأهرامات بالنجوم وقرر يتوقف عند النقطة دي
لكن ملاحظة صغيرة جدا هتفتح الباب لإكتشاف ما هو أعظم
عمر الأهرامات
نشوفكم الحلقة الجاية إن شاء الله
