ذاكرة إختراع: كيف ساهمت العملات في إختراع الكتابة وتحولها من التصويرية إلى المقطعية أو الصوتية
إخواني أخواتي السلام عليكم، رمضان مبارك سعيد رغم أنها متأخرة قليلا، يعاد عليكم إن شاء الله بالرحمة و المغفرة
و النجاح و الشفاء و أتمنى أن يكون أخر شهر رمضان مع الكورونا أو الكوفيد 19 الله يرفعوا علينا
يبدو أني تأخرت عنكم أعتذر، المهم في الفترة الموالية لإكتشاف عملية الزراعة و تطورها بشكل كبير في مختلف بقاع الأرض
إنتقل الإنسان من كونه مستهلكا يعني وجباته الغذائية معتمدة على الصيد و قطف الثمار ؛ لمنتج
أو بالأحرى فلاح أو مزارع ينتج المنتوجات الفلاحية مثل: الخضر و الفواكه و اللحوم
وأصبح يعيش وسط مجتمعات كبيرة خلق عن طريقها فكرة "القبائل والمدن"
وهذا نتج عنه التعارف فيما بين الشعوب من كل بقاع البسيطة سواء داخل الأرض التي يعيشون بها أو من خارجها
وبفعل هذه التراكمات ستظهر وبشكل بديهي مسألة التبادلات التجارية فيما بينهم، التي كانت تعتمد على مبدأ "المقايضة" يعني:
على سبيل المثال وبشكل بسيط أنا لدي اللحم وأحتاج البيض فسأبحث وسط المحيط الذي أقطن به
عن شخص آخر لديه البيض ويحتاج اللحم، وأتبادل معه، وهكذا فإني قد وجدت ما أريد و هو وجد ما كان يبحث عنه
عاشوا الناس في العصر الحجري الحديث على هذا النظام سنوات وسنوات، إلى أن بدأت المشاكل بالمقايضة مثل:
أولا أنا لدي البيض وأريد اللحم وصاحب اللحم لا يريد البيض في ذاك اليوم يريد القمح،
فيجب علي أن أبحث وسط المحيط الذي أقطن به عن طرف ثالث لديه القمح ويريد البيض
وأتبادل معه وأعود لأكمل عمليتي التجارية مع صاحب اللحم وهذا طبعا يستغرق وقتا كبيرا.
ثانيا مشكل القيمة، كون أنها لم تكن متكافئة نوعا ما، المهم هو أن أجد ما أبحث عنه،
رغم أنني سأتبادل بثلاث أكياس من القمح مع شخص لديه فقط دجاجة واحدة.
ثالثا مسألة الثقة في الدين، على سبيل المثال شخص ما يريد أن يقترض خروفين من شخص آخر ولكن لا يثقون في أنفسهم
صاحب الخرفان خائف من أن لن تعاد له خرفانه و الآخر خائف أن يقول له صاحب الخرفان أقرضتك أكثر من إثنين،
بالتالي كان لابد من الحاجة إلى عقد تجاري كي يضمن كل واحد فيهم ما له وما عليه،
فأمسكوا بحجرة طينية دائرية الشكل، و بقليل من الإبتكار رسموا عليها مستقيمان عموديان
وإتفقوا على أن الشكل المرسوم يمثل الخروفين و طبعوا نفس الشكل على حجرة أخرى، وكل واحد إحتفظ بواحدة،
وإعتبروها هي الضامن على الإتفاق الذي أبرم بينهما، كما يظهر في هذه المنحوتة،
المكتشفة في 1928 والمؤرخة بسنة 3200 ق.م بمدينة وركاء بسومر قديما،
التي كانوا يحكمها السومريون أو ما يسمى اليوم ببلاد مابين نهري دجلة و الفرات،
بناءا على هذا المثال سيتم الإنتقال من مبدأ المقايضة إلى العملة، النقد، في واحدة من مناطق الأرض،
التي كانت تستخدم في تجسيد تقريبا كل الأشياء التي كان يتاجر بها آنذاك، مثل:
الخشب الغنم الماعز الجمال البقر الخضر القمح وما إلى ذلك وتتحكم في قيمتها،
حيث أنه بين عامي 4000 و 3000 ق.م إنتشر إستخدام العملات التجارية بين السومريين،
وكانوا يحتفظون بها وسط وعاء على شكل كرة مصنوع من الطين، ويعلمونه بنفس علامات وعدد العملات التي بداخله،
مع الوقت لم يعودوا يعطوا الأهمية لتلك العملات التي بوسط الوعاء،
وأكثروا من الإعتماد على الوعاء نفسه وأصبح هو العملة، بقت الطريقة هكذا حتى القرن الثالث ق.م،
وهي السنة التي سيتغير فيها الوعاء بألواح طينية، يعني ببساطة تحولوا من المال نقدا إلى الأوراق،
حيث أنها وجدوها أكثر بساطة، بدل ملإ وعاء كبير بكثير من الأحجار المنقوشة،
وضعوا لوحا طينيا صغيرا وكتبوا عليه عدد و صور ترمز للأشياء التي تمت المتاجرة بها.
هذه كانت نبذة صغيرة على مثال من أمثلة تاريخ وقصة تطور العملات في التاريخ
رغم أنه يوجد أمثلة كثيرة بباقي بقاع الأرض مثل الموجودة في الحضارة الصينية العريقة.
إخواني أخواتي موضوعنا الأساسي في هذا الفيديو هو: قصة إختراع الكتابة و تطورها من شكليها التصويري و المقطعي
إلى ما يسمى الآن بالأبجدية أو اللغة، لكن كان لابد من ذكر: كيف أن البشر في فترة من فترات تاريخ الإنسان العريق،
إستطاعوا إختراع العملة ويسهلون بها تقريبا كل المعاملات التجارية بينهم آنذاك،
لأن العملة كان لها أثر كبير في إختراع الكتابة،
كما تلاحظون في هذا المنقوش الأثري صوروا فيه مستقيمان وعبروا بهم على خروفين،
لذلك فالشكل الأول التي أخذته كان عبارة عن الكتابة التصويرية يعني يرسمون الصور
كي يعبروا بها على الشكل الذي يحتاجونه في حالته الطبيعية الفيزيائية،
فكانوا يرسمون الإنسان و الحيوان و النبات و أي شيء أخر كما يظهر لهم،
أو كانوا يقتصرون على جزء من ذاك الشيء الذي يريدونه، مثلا يرسمون رأس آدمي كي يعبروا به على الإنسان
أو رأس بقرة كي يعبروا به على البقر أو سنبلة كي يعبروا به على القمح بصفة عامة وما إلى ذلك من الأشياء،
أو أنهم يرمزون للشيء الذي يحتاجونه برمز معين ويتفقون على أن مثلا التفاح يرمز له بدائرة و مربعين صغيرين،
بالتالي فالكتابة التصويرية كتعريف هي نظام ترميزي يعبر على كلمة واحدة أو فكرة واحدة
يعني ترى لوحا طينيا فيه دجاجة تلقائيا تفهم بأن الأمر متعلق بالدجاج،
وبالمناسبة الكتابة التصويرية هي: أقدم كتابة عرفها الإنسان قبل عصور ما قبل التاريخ،
حيث أنه تم إيجاد رسوم و نقوش قديمة قدم المخلوق الذي عززه الله سبحانه وتعالى بالعقل: وهو مفتاح أي شيء في هذه الحياة،
ومؤرخة بمئات آلاف السنين وسط كهوف و جبال و أحجار من كل بقاع الأرض بدون إستثناء،
حيث أنهم رسموا وبكل ملكة إلهية و إبداع و إتقان كبيرين كل ما كانوا يرونه في محيطهم،
وكما قلت في الأول من الفيديو فكرة الكتابة و اللغة و العملات تم إختراعها بشكل تراكمي
يعني دائما ما كانت الحاجة لشيء معين الغرض منه هو تسهيل المعاملات البشرية ؛ هي أساس الإختراع و الإبتكار.
هذا المثال الذي تعرفنا عنه مدرج في اللغة المسمارية وهي لغة من إختراع السومريين وسميت بهذا الإسم لأنها تشبه في شكلها للمسمار.
ستعرف الكتابة تطورات كبيرة وأهمها: التحول من الشكل التصويري إلى المقطعي أو الصوتي، فما هي الكتابة المقطعية؟؟
بالرجوع للعملات، هاته اللوحة الطينية المسماة "كوشِم"، والتي يعتقد أنها نقشت بالعام 2600 ق.م،
تبين تفاصيل صفقة شعير، وهو عبارة عن عقد بين شخص أقرض أو إقترض 135000 لتر من الشعير لمدة 37 شهرا،
من خلال هاذان الرمزين "كو"و"شِم" والذي مع جمعهما تصبح الكلمة "كوشم"
وهو رمز في نظر الباحثين و العلماء، بدون معنى وإفترضوا أنه إسم شخص ويمثل صوتا معينا،
بدأ الإنتقال من الكتابة التصويرية للكتابة المقطعية أو الصوتية: التي أصبحت فيها الرموز تعبر عن الأفكار و العبارات و الجمل،
على سبيل المثال يمكن لصورة أو رمز العين أن تعبر عن البكاء أو النظر،
أو رمز الفم يعبر عن الأكل أو الكلام أو مثلا نقوم برسم فمان إثنان ونعبر بهم عن شخصان يتكلمان،
أو رمز الأذن نعبر به عن الإصغاء طبعا بإضافة رموز أخرى مثل صورة إنسان وهو واضع يده على أذنه،
أو نقوم برسم دائرة مشعة ونعبر بها عن الشمس أو الضوء أو الحرارة وما إلى ذلك من الأفكار و الأفعال،
فأعطوا لكل رمز صوتا معينا بالإجماع واستعملوها في كتابة الرسائل والمرسومات و القرارات و الدواوين
وما إلى ذلك من عناصر الكتابة على الألواح الطينية.
إكتشاف الكتابة المقطعية لم يؤدي لإندثار التصويرية التي أصبحت وظيفتها هي تحديد المعنى و تخصيصه،
كأنها تسبق الكلمات الصوتية كي تبين بأن الكلمة المنطوقة هي إسم شخص أو إله
أو نوع من الحبوب أو الخشب أو معدن أو إسم مدينة أو قبيلة...إلخ إلخ إلخ.
لكن أدت لتقليص الرموز و الصور التي كانت في حدود 1500 ل 800 تقريبا في القرن 26 قبل الميلاد في الكتابة المسمارية،
وستبقى تتقلص إلى أن تصل إلى 500 رمز فقط في القرن 20 قبل الميلاد،
كما أنه إذا لاحظتم فهي الكتابة التي يدرسون بها التلاميذ في السلك الإبتدائي أو التحضيري حاليا لأنها سهلة
أو تظهر بأنها سهلة بالنسبة لنا، لكن بالنسبة للناس في القرن 20 قبل الميلاد كان التطور الذي عرفته الكتابة من التصويرية إلى المقطعية،
تطورا كبيرا و ثورة من الثورات التي عرفها الإنسان في تاريخ البشرية ككل لأنها سهلت مجموعة من المعاملات الإنسانية بشكل عام
كما أنها لن تقف عند هذا الحد حيث أنها ستعرف تطورات أخرى كبيرة مع الزمن بفعل قانون الحاجة أم الإختراع
إلى أن تستقر على الشكل الحالي ألا وهو الأبجدبة.
حيث أنه دائما ماكانت تعتقد عامة الناس أن الكتابة هي هدية من الآلهة، وتعتبر مقدسة وغير متاحة للعموم،
وكانت القلة القليلة هي التي لديها الحق في تعلمها، بحكم الإمتيازات الملكية و النبيلة و الأرستقراطية،
لكن مع بداية ظهور الأبجدية، و هي التطور الحقيقي الذي عرفته الكتابة، أصبحت في متناول الشعب وتخلت عن تقديسها.
فكيف وقع هذا التطور؟ هذا الذي سنتعرف عليه إن شاء الله في الحلقة المقبلة
والخاصة بقصة إكتشاف وفك رموز اللغة الهيروغليفية التي كانت من إنتاج المصريين القدماء في حدود العام 3000 قبل الميلاد.
هذا كل ماعندي في هذا الفيديو أتمنى أن أكون قمت بإيصال المعنى بشكل أوضح
لأنه سيجعلنا نفهم جيدا القادم من الموضوع في الجزء الثاني،
وشكرا على دعمكم المتواصل ولا تنسوا الضغط على لايك إذا أعجبكم الفيديو و إشتركوا في القناة وفعلوا جرس الإشعارات
كي تصلكم الفيديوهات الجديدة فور نزولها وشاركوها مع أصدقائكم و أفراد عائلاتكم
أينما كانوا ومن أينما كانوا وإجعلوا حلمنا يكبر، تحياتي إلى الفيديو القادم بالسلامة.
إخوان مع السلامة أعيد تهنئتكم برمضان وأقول لكم رمضان مبارك سعيد، يعاد عليكم بالصحة و المغفرة و النجاح
وكل ما تتمنون في أنفسكم تصلوا له بإذن الله،
وأتمنى من الله سبحانه و تعالى ان يرفع عنا هذا الوباء ويكون أخر شهر و الكورونا أو الكوفيد 19 معنا