×

Vi använder kakor för att göra LingQ bättre. Genom att besöka sajten, godkänner du vår cookie-policy.


image

سلسلة المرأة, ندى تشتكي لعائشة رضي الله عنها (2)

ندى تشتكي لعائشة رضي الله عنها (2)

قالت ندى في نفسها: في المقابل شادي لا يشاركني فرحاته،

فسألتْ: هل كان النَّبيّ يشارككِ ما يسرُّه؟

-طبعًا، مثلًا: دخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

مرةً مسرورًا تَبْرُق أساريرُ وجهه،

فقال: ألمْ ترَيْ أنّ مُجَزَّزًا نظر آنفًا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد،

فقال: إنَّ هذه الأقدامَ بعضها من بعض.

يعني كان مستغربًا مّسرورًا من أنَّ رجلًا ممن يَقتفون الأثر

عرف وجود علاقةٍ بين زيدٍ وّابنه أسامة من قدميهما مع أنَّه لم يَرَ وجهيهما؛

لأنَّهما كانا مغطِّيين وجههما، ومع أنّ رِجلَي أسامة كانتا سوداوين تمامًا لأمّه،

ورجلَي زيدٍٍ كانتا بيضاوَيْن.

قالت ندى في نفسها: إذا أطلتُ الحديث مع شادي في موضوع

فإنه يقاطعني ويطلب مني أن أختصر،

ويتبرَّم من كثرة أسئلتي، فسألتْ: طيِّبٌ، هل كان النَّبيّ يستمع لكِ باهتمام؟

-لم يقاطعْني يومًا

جلستُ معه أحدِّثه عمّا قالته أحد عشر امرأةٍ في أزواجهنَّ في حديثٍ طويل،

وكانت آخرهنَّ زوجةُ أبي زرع الذي كان مكرِمًا لّها ورسول الله يستمع لا يقاطعُني،

حتى إذا انتهيتُ قال لي مُتحبّبًا كنتُ لكِ كأبي زرع لأمِّ زرع (يعني في الإكرام).

كنت لا أسمع منه شيئًا لا أعرفه إلا راجعتُه فيه حتى أعرفه،

مثلًا قال مرَّةً: من حوسِب عُذِّب،

فقلتُ له: أوليس يقول الله تعالى: {فَسَوفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسيرًا [84: 8]}؟

فقال: إنّما ذلك العَرْضُ، ولكن مَّن نُّوقش الحساب يهلك.

وكان مسرورًا بحبّي للتعلُّم.

سألتُه عشرات أو مئات الأسئلة الموجودة في الأحاديث المحفوظة،

فكان يُجيب باهتمام لا يُبدي أيَّ انزعاجٍ من كثرة أسئلتي

ولا يُقلِّل من شأن أيِّ سؤال.

قالت ندى في نفسها: شادي بدأ يملُّني وتثور عصبيَّته عليّ سريعًا،

والمؤلم جدًا أنّ هذا في مقابل اهتمامه بزميلاتِه في العمل وروحه المرحة معهن،

فسألتْ: هل كانت عصبيّةُ النَّبيّ تثور عليكِ إذا أخطأتِ؟

-بل يعَلِّمني برفق.

ذكرتُ زوجتَه صفيَّةَ مرّةً بانتقاص،

فقال لي: لقد قلتِ كلمة لّو مُزجَتْ بماء البحر لمزجتْهُ

(يعني لَعكّرتْه) لِيقويَّ الوازع عندي حتّى أخاف الله،

ولم يُعنِّفْني وقُصارى الأمر إذا أخطأتُ أن تتغيّر ملامح وجهه فَرَبّى عندي إرهاف حسٍّ،

بحيثُ أرصدُ ملامحه وأعدّل سلوكي على أساسها.

-ما كان يصرخ؟ -أبدًا.

تبسَّمتْ عائشة وقالت:

ذات مرة قال لي: إني لَأعلم إذا كنتِ عنّي راضية وإذا كنتِ عليّ غضبى!

فقلت: من أين تعرف ذلك؟

فقال: أمّا إذا كنتِ عني راضية فإنَّكِ تقولين: لا وربِّ محمد،

وإذا كنتِ غضبى قلتِ: لا وربِّ إبراهيم.

قلتُ: أجل والله يا رسول الله ما أهجرُ إلا اسمك (يعني ما أترك إلا ذِكر اسمك وقتها

وإلا فمحبتك ثابتةٌ في قلبي لا تتغيَّر بحال).

-طيِّب وما الذي كان يغضبكِ منه؟ -غَيرتي عليه.

-ألهذه الدرجة تحبِّينه! تغارين عليه وتريدين أن تستأثري به؟

كيف لا أُحبِّه لهذه الدرجة مع أخلاقه هذه.

مرَّةً كان نصيبي منه أن يبيت عندي، جاء فتمدَّدَ بجانبي

فلمَّا ظنَّ أنّي نمتُ قام بهدوء،

ولبس نعلَيْه بهدوءٍ وّخرج، فلبست سريعًا ولحقتُه لأرى إنْ كان سيذهب إلى زوجةٍ غيري،

فإذا هو يذهب إلى مقبرة البقيع التي دُفِن فيها عددٌ مّن أصحابه،

فلما أراد أن يّعود ركضتُ حتى دخلتُ أمامه حتى لا يعرفَ أنّي خرجتُ أراقبه،

فلما دخل رأى تحرُّك أنفاسي فسألني؛ تهرَّبتُ من الجواب، ثم أخبرتُه،

فأخبرني أنَّ جبريلَ أتى يخبره أنَّ الله

يأمره بالاستغفار لأهل البقيع، فخاف أنْ يّوقِظني فأَستوحِش، فخرج بهدوء، ثم سألتُه:

ماذا أقول إذا زُرْت أهل المقابر، فعلَّمني.

أرادتْ ندى أنْ تسألَ عن تعامُلِ النَّبِيِّ مع غَيْرَةِ عائشةَ،

استحتْ أنْ تذكُرَ وضْعَ شادي مع زميلاتِهِ،

والَّذِي لا يُقارَنُ بالعَلاقةِ الحلالِ بينَ النَّبِيِّ وزوجاتِهِ، فقالتْ:

كيفَ كانَ يتصرَّفُ معَ غَيرَتِكِ من زوجاتِهِ الأُخرياتِ؟

تبسَّمتْ عائشةُ وقالتْ:

دعا رسولُ الله أصحابَه يومًا إلى بيتِي،

فأتَتْ أُمُّ سلَمَةَ زوجةُ النَّبيِّ بصحنٍ كبيرٍ فيهِ طعامٌ

لِتُكْرِمَ بهِ النَّبيَّ وضيوفَهُ

فَغِرْتُ؛ فَكَسَرْتُ الصَّحنَ بحجَرٍ في يدِي

فتحَتْ ندَى فَمَها وبَحلَقَتْ: ماذا فَعَلَ رسولُ اللهِ؟

قالتْ عائشةُ: جمَعَ بينَ فِلْقَتَيْ الصَّحْنِ -وعليهمَا الطَّعَامُ-

وقالَ لأصحابِهِ: "كُلُوا، غَارتْ أُمُّكُمْ. كُلُوا، غارَتْ أُمُّكُمْ"

يَقْصِدُني أنَا

ثُمَّ أخذَ رسولُ اللهِ صحنًا من عندِي، وبعثَ بهِ إلَى أُمِّ سلمَةَ

- وانتهَى الموضوعُ عندَ هذَا الحَدِّ؟!

- نعمْ

- لم يضرِبْكِ؟!

ضحكَتْ عائشةُ: يضربُنِي؟!

لم يضربْ النَّبِيُّ بيدِهِ امرأَةً، ولا خادِمًا، ولا شيئًا،

إلَّا حِينَ يُجاهِدُ في سبيلِ اللهِ

قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: أُحِسُّ أنَّ شخصيَّتِي طُمِسَتْ معَ شادِي؛

أشعرُ بضعفٍ وقلَّةِ تقديرٍ لِنفسِي أمامَ الآخرينَ إذَا كنتُ معهُ

فسألتْ: هل كنتِ تتصرَّفينَ أمامَ النَّبيِّ بقوَّة شخصيَّتك، وروحِكِ المَرِحَةِ؟

تبسَّمتْ عائشةُ:

حضَّرتُ طعامًا مرَّةً وعندِي سودَةُ -زوجةُ النَّبِيِّ- جالسَةً في بَيْتِي

فقلتُ لهَا:"كُلِي!" ورسولُ اللهِ بينَنَا

فقالتْ: "لا أشتهِي ولا آكُلُ"

فقلتُ: "لَتَأْكُلِنَّّ أو لَأُلَطِّخَنَّ وجهَكِ" -يعنِي بالطَّعامِ-

فلمْ تأكُلْ، فلطَّخْتُ وجهَهَا بالطَّعامِ

فضحِكَ رسولُ اللهِ،

فَأَخَذَتْ سودةُ من الطَّعامِ فلطَّخَتْ وجْهِي، ورسولُ اللهِ يضحَكُ

قالتْ ندَى في نفسِهَا: شادِي يرُدُّ علَى غَيرَتِي بإظهارِ سوءِ الظَّنِّ فيَّ،

أنِّي أتعمَّدُ الحديثَ معَ الزُّملاءِ، وأنِّي أميلُ عاطفيًّا تجاهَ أحدِهِمْ،

فسألتْ: هلْ كانَ النَّبيُّ يُحسِنُ الظَّنَّ بِكِ؟

- نعَمْ، عندمَا افْتَرَى عليَّ المنافقُونَ دافعَ عنِّي،

وقال: "واللهِ ما علمتُ على أهلِي إلَّا خيرًا" -يَعْنِينِي-

لكنَّه بَقِيَ شهرًا لا يُوحَى إليهِ شيءٌ مِنَ القُرآنِ فِي شأنِي،

ومع ذلكَ، يستحِي أنْ يُواجهَنِي بسؤالٍ يجرحُ شعورِي عمَّا يقولُهُ البعضُ،

ثُمَّ لمَّا أرادَ أنْ يَسألنِي، قالَ: "أمَّا بعدُ يا عائشةُ،

إنَّهُ بلغنِي عنكِ كذَا وكذَا..."

"فإنْ كنتِ بريئةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ،"

"وإنْ كنتِ ألْمَمْتِ بذنبٍ فاستغفرِي اللهَ، وتُوبِي إليهِ،

"فإنَّ العبدَ إذا اعترفَ ثُمَّ تَابَ، تابَ اللهُ عليهِ"

ثُمَّ أظهرَ اللهُ براءَتِي

قالتْ ندَى في نفسِهَا: عندمَا تكونُ الشَّغَّالةُ في إجازَةٍ،

فإنَّ شادِي لا يُساعدُ في البيتِ،

مع أنَّهُ يكتُبُ بوستَاتٍ عن حقوقِ المرأةِ ومَظْلُومِيَّتِها،

فسألتْ: طبعًا ما أظنُّ أنَّ النَّبِيَّ كانَ يساعدُكِ في أمورِ البيت،

فهو رسولُ اللهِ...

- بلْ كانَ يساعدُنِي، فإذَا حضرَتِ الصَّلاةُ خرجَ إلَى الصَّلَاةِ

تَفَاجَأَتْ ندى وتصَوَّرتْ منظرَ النَّبيِّ

وهوَ يُساعِدُ زوجتَه في شؤونِ البيتِ بتواضُعٍ ومودَّةٍ

قالتْ ندَى في نفسِها: أصبحَ شادي يُدخِّنُ مؤخَّرًا وأتأَذَّى منْ رَائحةِ دُخَانِهِ،

أشياءُ بسيطةٌ أصبحتْ تَستفزُّنِي؛ لماذا لا يتأنَّقُ لِي كمَا يتأنَّقُ للنَّاسِ؟

فسألتْ: هل كان النَّبيُّ يتأنَّقُ لكِ ويعتنِي برائحتِهِ كمَا يفعلُ معَ النَّاسِ؟

-كانَ إذا دخلَ بيتَه بدأَ بالسِّواكِ لأشُمَّ من فمِهِ رائحتَهُ الطَّيِّبةَ

تفاجأَتْ ندَى منْ هذَا المشهدِ

رجلٌ يَدخُلُ بيتَهُ، فيستعدُّ كما يستعدُّ الرِّجالُ اليوم

لمقابَلَةِ عملٍ أو لِلِقاءِ شخصٍ مُهِمٍّ

قالتْ ندَى في نفسِهَا: أصبحتُ أُفضِّلُ غيابَ شادِي عنِّي،

فسألتْ: واضحٌ أنَّكِ كنتِ متعلِّقةً بالنَّبيِّ جدًّا،

هل وصلتِ لمرحلةِ أنَّكِ لا تُطيقِينَ بُعْدَهُ عنكِ؟

- لمَّا كانتْ ليلةٌ مِنَ اللَّيالِي قالَ:

"عائشةُ، ذَرِينِي أتعبَّدُ اللَّيلَةَ لِربِّي"،

فقلتُ له: "واللهِ إنِّي أُحبُّ قربَكَ، وأُحبُّ ما يسرُّكَ"،

فقامَ فتطهَّرَ ثُمَّ قامَ يصلِّي

قالتْ ندَى في نفسِهَا: شادِي يَظْهَرُ أمامَ النَّاسِ بمظهرِ الخيريَّةِ والحنانِ،

لكنَّ هذِه الخيريَّةَ تتلاشَى معِي،

ويُبرِّرُ لِي بأنَّه مضغوطٌ ومشاكلُ الحياةِ كثيرةٌ

فسألتْ: هلْ كانَ النَّبِيُّ يعاملُكِ كمَا يعامِلُ النَّاسَ؟

- بلْ أفضَلَ!

فإنَّهُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-

هو القائلُ: «خَيْرُكُمْ خيرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»

فجعلَ مِعيارَ الخَيريَّةِ التَّعامُلَ معَ الأزواجِ

قالتْ ندَى فِي نفسِهَا:

هناكَ جوانبُ منْ حياةِ شادِي الخاصَّةِ أستحِي أنْ أتكلَّمَ عنْهَا

لأنَّهَا تُسيءُ لهُ جِدًّا، فسألتْ:

سامِحِينِي علَى السُّؤَالِ،

هلْ كانَ هُناكَ جانبٌ منْ حياةِ النَّبيِّ لا تُحبِّينَ أنْ يَطَّلِعَ عليهِ أحدٌ؟

- بلْ كانَتْ حياتُهُ كلُّهَا صفحَةً مَكشوفَةً،

وهَا أنَا أعْرِضُهَا للنَّاسِ بكُلِّ تفاصيلِهَا،

حتَّى ما يلزَمُ منْ تعلِيمِ النَّاسِ في العِشْرَةِ الزَّوجيَّةِ أتَكلَّمُ عنْهُ

ماذا أُخْفِي منْ حياتِهِ وقدْ كانَ خُلُقُهُ القرآنَ؟!

كلُّ ما في القرآنِ منْ أخلاقٍ وآدابٍ

رأيْتُهَا في محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-،

ظاهِرُهُ كباطِنِهِ

كانَ لَبِقًا مَعِي كَمَا كانَ معَ النَّاسِ

حتَّى أنِّي ما رأيتُهُ يضْحَكُ بشكلٍ مُفرِطٍ، إنَّما كانَ يتبَسَّمُ

قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: لاهتزازِ صورَةِ شادِي لديَّ،

أصبحتُ أنْفِرُ من عَلاقتِنَا الغريزِيَّةِ كزوجيْنِ،

وأشعُرُ أَنِّي أفعلُ شيئًا مَعِيبًا،

فسألتْ: اُعذُرينِي علَى السُّؤَالِ،

قلتِ أنَّكِ لا تتحرَّجِينَ منَ الحديثِ عمَّا يَلزمُ

منْ تعليمِ النَّاسِ فِي العِشْرَةِ الزَّوجيَّةِ،

يعنِي... ما كُنْتِ تُحسِّينَ بأيَّةِ غضاضَةٍ منْ حياتِكُمَا الخاصَّةِ؟

- لا طبعًا؛ العَلاقةُ الغريزيَّةُ بين الزَّوجَيْنِ قُربَى إلَى اللهِ في الإسلام

يأخذُ الزَّوجانِ عليْهَا أجرًا،

وهذَا شيْءٌ علَّمَنِي إيَّاهُ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-

تابعَتْ عائشةُ:

وفِي الوقتِ ذاتِهِ،

أتدرِينَ بماذا وصفَنِي اللهُ أنَا والمؤمنَاتُ مثلِي في سورَةِ النُّورِ،

عندَمَا افترَى عليَّ المنافقونَ الإفْكَ؟

وصفَنَا اللهُ بأنَّنَا "غافلَاتٌ"، أتدرِينَ ماذَا تعنِي "غافِلَاتٌ"؟

لا يخطُرُ ببالِنَا السُّوءُ والعَلاقَاتُ المحرَّمَةُ لبراءتِنَا وطُهْرِ معدَنِنَا

بلْ كنتُ حينَ أدخُلُ بيتِيَ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رسُولُ اللهِ وأبِي (أبُو بكرٍ)،

أضعُ ثوبِي، فأقولُ: إنَّمَا هوَ زوجِي وأبِي،

فلمَّا دُفِن عمرُ معهُمَا،

فَواللَّهِ ما دخلتُهُ إلا وأنا مشدودةٌ عليَّ ثيابي؛ حياءًّ من عُمَر.

أدركتْ ندَى أنَّهَا أمامَ شخصيَّةٍ مُتوازِنَةٍ رُبِّيَتْ تربيةً عجيبةً،

وأدركتْ -معَ ذلكَ- أنَّ مفهومَ الجنسِ في الإِسلَامِ مختلِفٌ تمَامًا

عن مَفهومِهِ في ظلِّ المادِّيَّةِ المُعَاصِرَةِ

تابعتْ عائشةُ: رسولُ اللهِ الَّذِي كانَ يتكلَّمُ

عنِ العَلاقةِ بينَ الأزوَاجِ بأدبٍ لِتعليمِ النَّاسِ،

ولا يستَحِي من الحلالِ،

هوَ نفسُهُ الَّذِي كانَ يستحِي منَ النِّساءِ أن يَدخُلَ فِي تفاصيلَ؛

سألَتْهُ امرأةٌ يَومًا أمامِي عنْ غُسلِهَا منَ المحيضِ، فأخبرَهَا كيفَ تغتسِلُ،

ثُمَّ قالَ: "خُذِي فِرْصَةً منْ مِسْكٍ

-يعنِي قطعةً مِنْ صوفٍ أو قطْنٍ- فتطهَّرِي بهَا"،

فقالتْ: "كيفَ أتطهَّرُ؟" قال: "تطهَّرِي بهَا."

قالتْ: "كيفَ؟"

فقالَ: "سبحانَ اللهِ! تطهَّرِي!"

فاستحَى رسولُ اللهِ أنْ يقولَ لهَا: ضعيهَا على مخرَجِ الدَّمِ

فاجتذبتُ المرأةَ إليَّ فقلتُ لهَا: تتبَّعي بهَا أثَرَ الدَّمِ

قالتْ ندَى في نفسِهَا: شادِي يستكبِرُ أنْ يُظهِرَ أمامِي ضَعفَهُ،

بل بدلًا من ذلكَ يتفشَّشُ فِيَّ إذَا تعرَّضَ لما يُظهِرُه ضعيفًا،

فسألتْ: هلْ كانَ رسولُ اللهِ يتجنَّبُ إظهارَ ضَعفِهِ أمامَكِ؟

- بلْ عندمَا مَرِضَ مَرَضَ موتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-

استأذنَ نساءَهُ أنْ يُمرَّضَ في بيتِي...

هُنَا تهدَّجَ صوتُ عائشةَ، جمعتْ أنفاسَهَا بصعوبةٍ،

ثُمَّ تابعَتْ: تُوفِّيَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-

في بيتِي علَى صدرِي، بينَ سَحْرِي ونَحْري،

كانَ أخِي عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبِي بكرٍ قد دخلَ علينَا قبلَهَا ومعهُ سِواكٌ،

فنظرَ إليهِ رسولُ اللهِ، فأحسَسْتُ أنَّهُ يودُّ استخدامَهُ،

فأخذتُ السِّواكَ فمضغتُهُ وأعدَدْتُهُ لهُ، ثُمَّ أعطيتُهُ للنَّبيِّ،

فاستنَّ بهِ كأحسنِ ما رأيتُهُ مُستَنًّا قطُّ،

ثُمَّ حاولَ أنْ يرفعَ السِّواكَ إليَّ، فسقطتْ يدُهُ

فأخذتُ أدعو لهُ بدُعاءٍ كان يدعُو بهِ لهُ جبريلُ،

وكانَ هوَ يدعُو بهِ إذَا مرِضَ، فلمْ يدْعُ بهِ فِي مرضِهِ ذاكَ،

فرفعَ بصرَهُ إلَى السَّماءِ وقالَ: "الرَّفيقَ الأعْلَى." وفاضَتْ نَفْسُهُ

فالحمدُ للهِ الَّذِي جَمَعَ بينَ ريقِي وريقِهِ في آخِرِ يومٍ مِنَ الدُّنيَا

- هلْ أَوصَيْتِ أنْ تُدْفَنِي بجانِبِهِ؟ - تمنَّيْتُ ذلكَ، لكنِّي آثَرْتُ عُمَرَ؛

لـمَّا طُعِن عُمَرُ جاؤُونِي وأنَا أبْكِي،

وقِيلَ لِي: يستأذِنُ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ أنْ يُدْفَنَ معَ صاحبَيْهِ

يعنِي زوجِيَ وأبِيَ (أَبِي بَكْرٍ)، زوجِيَ -رسولَ اللهِ- وأبِيَ،

فقُلْتُ: واللهِ كنتُ أردتُهُ لنفسِي، ولأُوثِـرَنَّهُ اليومَ علَى نفسِي

قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: لم أعُدْ أهتمُّ باهتماماتِ شادِي،

أصبحتُ أتعمَّدُ مخالفتَهُ فِي كُلِّ شيءٍ، ولا أريدُ أنْ أُشبِهَهُ فِي شيءٍ،

فسألَتْ: تفتقِدِينَ زوجَكِ رسولَ اللهِ؟

- هُوَ حيٌّ في كِيَانِي،

وأُبقي ذكرَاهُ حيَّةً لديَّ بالحديثِ عنهُ،

عنْ كلماتِهِ، حركاتِهِ، سَكَناتِهِ، قَسَماتِ وجهِهِ...

تشرَّبتُ علمَهُ وحكمتَهُ،

وأُحسُّ بأنفاسِهِ الطَّاهرَةِ بينَ ضُلوعِي حين أبُثُّ علمَهُ، وتفاصيلَ حياتِهِ،

وأصبحتُ بفضلِ الزَّواجِ بهِ أُمًّا لِلمؤمنِينَ أجمعِينَ،

وإنْ لم أُنجبْ منْ رَحِمِي،

فمِلياراتُ المُسلمينَ -إِلى يومِ القيامةِ- يحبُّونَنِي ويترضَّوْنَ عَنِّي،

ويسيرونَ بالنُّورِ الَّذِي ورَّثتُهُ لهُمْ

فأنَا الآنَ همِّيَ الأكبرُ أنْ ألتقِيَ بحبيبِي منْ جديدٍ في الجنَّةِ؛

أفعلُ مثلمَا كانَ يفعلُ:

كانَ أكرَمَ النَّاسِ، وأنَا على خُطاهُ وعلَى خُطَى أبِي أسيرُ،

بعدَ أنْ كنتُ أُطالِبُ النبيَّ يومًا بمزيدٍ من النَّفَقَةِ،

أصبحتُ الآنَ أُنفِقُ وأكادُ لا أُبقِي لنفسِي شيئًا

قالَ رسولُ اللهِ:

«وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ»،

فأنَا الآنَ إذَا عملتُ عملًا لزِمتُهُ وداومْتُ علَيْهِ

قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: نفسيَّتِي معَ شادي تعبانَةٌ، معَ أنَّنِي طبيبةٌ نفسيَّةٌ

استحَتْ ندَى أنْ تسأَلَ عائشَةَ عنْ نفسيَّتِهَا لتُقارِنَ بحالـِهَا؛

فكانَ سيبدُو سؤالًا مُضحِكًا وهِيَ ترَى هذِهِ الشَّخصيَّةَ الفذَّةَ،

الَّتي قَالَ فيها ابنُ أخيها عُروَةُ بنُ الزُّبيرِ:

"لقد صَِحبتُ عائشةَ"

"فما رأيتُ أحدًا قطُّ كانَ أعلمَ بآيةٍ أُنزلَتْ، ولا بفريضةٍ، ولا بسُنَّةٍ،"

"ولا بشِعرٍ ولا أروَى لَهُ -يعنِي للشِّعرِ-، ولا بيومٍ من أيَّامِ العربِ،"

"ولا بنسَبٍ، ولا بكذَا ولا بكذَا...، ولَا بقضاءٍ، ولا طبٍّ منهَا!"

فقلتُ لهَا: يا خالةُ، الطِّبُّ من أينَ عُلِّمْتِهِ؟

فقالتْ: كنتُ أمرضُ، فَيُنْعَتُ ليَ الشَّيء -يعني يُوصفُ على سبيلِ العلاجِ-،

ويمرضُ المريضُ فَيُنعَتُ لهُ،

وأسمعُ النَّاسَ يَنعتُ بعضُهُمْ لبعضٍ، فأحفَظُهُ

انتهتْ المقابَلَةُ

كانتْ السَّاعةُ الواحدَةَ ليْلًا حينَ انتبَهتْ ندَى

أنَّهَا صرفَتْ ساعاتٍ مُتَتَاليَةً

تقلِّبُ صفحاتِ السِّيرةِ دونَ أنْ تشعُرَ

أغلقتِ الكتابَ وهيَ مَصدُومةٌ مذهولةٌ

مَا هذَا النَّبيُّ الذي جعلَ حُـجرَةً صغيرةً عامرةً

بآلافِ المواقفِ والذِّكرياتِ الجميلةِ بهذا الشكلِ

ما هذَا النَّبيُّ الَّذِي صنَعَ من فتاةٍ

هذِهِ الشخصيَّةَ القويَّةَ المحبَّبَةَ المتوازنَةَ الواثِقَةَ المُنسجِمَةَ!

أغلقتْ ندَى الكتابَ،

وقامتْ منْ غرفةِ المكتَبِ مرورًا بِرَدهاتِ بيتِهَا الواسِعِ،

شعرتْ بالبردِ معَ أنَّهَا كانتْ مُلتحِفَةً بمعطفِهَا الفاخِرِ،

فالتَّدفئةُ مُعطَّلَةٌ بالبيتِ من فترةٍ

لأنَّ شادي لم يُحضِرِ السُّولار بعدَ نفادِهِ

-لم يحضِرِ الوَقودَ بعدَ نفادِهِ- طمَعًا في أنْ تدفعَ ندَى منْ مَالـِهَا،

وهيَ بدورِهَا كانتْ تتجاهَلُ رغبتَهُ لأنَّهَا تُحِسُّ أنَّ هذَا طمَعٌ منهُ

مرَّتْ ندَى بالمطبخِ.

ألقَتْ نظْرةً على الطَّاولةِ: آثارُ وجبةٍ أكلَهَا شادِي ولم يُحضِرْ لها وجبةً

وصلَتْ غُرفَةَ نومِهَا، الإسوارَةُ لازالتْ على الكومَدِينَا تنتظِرُ شادِي ليُصلِحَهَا

كانَ نائِمًا يشْخُرُ وبيدِهِ موبايْلُهُ

تمدَّدَتْ ندَى علَى السَّريرِ،

وتمنَّتْ لو أنَّ المقابلةَ لمْ تنتهِ، وأنَّهَا عاشَتْ كمَا عاشَتْ عائشةُ

هذهِ قِصَّةُ ندَى، قصَّةٌ تُمثِّلُ كثيرًا منْ نِساءِ اليومِ

ألقيتُهَا أمامَ مجموعةٍ مِنَ الإخوَةِ والأخواتِ،

فقالت إحداهنَّ: "أنا أعملُ منْ فترةٍ طويلةٍ في الإرشادِ الأُسريِّ،"

ندى تشتكي لعائشة رضي الله عنها (2) Nada complains to Aisha, may God be pleased with her (2)

قالت ندى في نفسها: في المقابل شادي لا يشاركني فرحاته،

فسألتْ: هل كان النَّبيّ يشارككِ ما يسرُّه؟

-طبعًا، مثلًا: دخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

مرةً مسرورًا تَبْرُق أساريرُ وجهه،

فقال: ألمْ ترَيْ أنّ مُجَزَّزًا نظر آنفًا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد،

فقال: إنَّ هذه الأقدامَ بعضها من بعض.

يعني كان مستغربًا مّسرورًا من أنَّ رجلًا ممن يَقتفون الأثر

عرف وجود علاقةٍ بين زيدٍ وّابنه أسامة من قدميهما مع أنَّه لم يَرَ وجهيهما؛

لأنَّهما كانا مغطِّيين وجههما، ومع أنّ رِجلَي أسامة كانتا سوداوين تمامًا لأمّه،

ورجلَي زيدٍٍ كانتا بيضاوَيْن.

قالت ندى في نفسها: إذا أطلتُ الحديث مع شادي في موضوع

فإنه يقاطعني ويطلب مني أن أختصر،

ويتبرَّم من كثرة أسئلتي، فسألتْ: طيِّبٌ، هل كان النَّبيّ يستمع لكِ باهتمام؟

-لم يقاطعْني يومًا

جلستُ معه أحدِّثه عمّا قالته أحد عشر امرأةٍ في أزواجهنَّ في حديثٍ طويل،

وكانت آخرهنَّ زوجةُ أبي زرع الذي كان مكرِمًا لّها ورسول الله يستمع لا يقاطعُني،

حتى إذا انتهيتُ قال لي مُتحبّبًا كنتُ لكِ كأبي زرع لأمِّ زرع (يعني في الإكرام).

كنت لا أسمع منه شيئًا لا أعرفه إلا راجعتُه فيه حتى أعرفه،

مثلًا قال مرَّةً: من حوسِب عُذِّب،

فقلتُ له: أوليس يقول الله تعالى: {فَسَوفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسيرًا [84: 8]}؟

فقال: إنّما ذلك العَرْضُ، ولكن مَّن نُّوقش الحساب يهلك.

وكان مسرورًا بحبّي للتعلُّم.

سألتُه عشرات أو مئات الأسئلة الموجودة في الأحاديث المحفوظة،

فكان يُجيب باهتمام لا يُبدي أيَّ انزعاجٍ من كثرة أسئلتي

ولا يُقلِّل من شأن أيِّ سؤال.

قالت ندى في نفسها: شادي بدأ يملُّني وتثور عصبيَّته عليّ سريعًا،

والمؤلم جدًا أنّ هذا في مقابل اهتمامه بزميلاتِه في العمل وروحه المرحة معهن،

فسألتْ: هل كانت عصبيّةُ النَّبيّ تثور عليكِ إذا أخطأتِ؟

-بل يعَلِّمني برفق.

ذكرتُ زوجتَه صفيَّةَ مرّةً بانتقاص،

فقال لي: لقد قلتِ كلمة لّو مُزجَتْ بماء البحر لمزجتْهُ

(يعني لَعكّرتْه) لِيقويَّ الوازع عندي حتّى أخاف الله،

ولم يُعنِّفْني وقُصارى الأمر إذا أخطأتُ أن تتغيّر ملامح وجهه فَرَبّى عندي إرهاف حسٍّ،

بحيثُ أرصدُ ملامحه وأعدّل سلوكي على أساسها.

-ما كان يصرخ؟ -أبدًا.

تبسَّمتْ عائشة وقالت:

ذات مرة قال لي: إني لَأعلم إذا كنتِ عنّي راضية وإذا كنتِ عليّ غضبى!

فقلت: من أين تعرف ذلك؟

فقال: أمّا إذا كنتِ عني راضية فإنَّكِ تقولين: لا وربِّ محمد،

وإذا كنتِ غضبى قلتِ: لا وربِّ إبراهيم.

قلتُ: أجل والله يا رسول الله ما أهجرُ إلا اسمك (يعني ما أترك إلا ذِكر اسمك وقتها

وإلا فمحبتك ثابتةٌ في قلبي لا تتغيَّر بحال).

-طيِّب وما الذي كان يغضبكِ منه؟ -غَيرتي عليه.

-ألهذه الدرجة تحبِّينه! تغارين عليه وتريدين أن تستأثري به؟

كيف لا أُحبِّه لهذه الدرجة مع أخلاقه هذه.

مرَّةً كان نصيبي منه أن يبيت عندي، جاء فتمدَّدَ بجانبي

فلمَّا ظنَّ أنّي نمتُ قام بهدوء،

ولبس نعلَيْه بهدوءٍ وّخرج، فلبست سريعًا ولحقتُه لأرى إنْ كان سيذهب إلى زوجةٍ غيري،

فإذا هو يذهب إلى مقبرة البقيع التي دُفِن فيها عددٌ مّن أصحابه،

فلما أراد أن يّعود ركضتُ حتى دخلتُ أمامه حتى لا يعرفَ أنّي خرجتُ أراقبه،

فلما دخل رأى تحرُّك أنفاسي فسألني؛ تهرَّبتُ من الجواب، ثم أخبرتُه،

فأخبرني أنَّ جبريلَ أتى يخبره أنَّ الله

يأمره بالاستغفار لأهل البقيع، فخاف أنْ يّوقِظني فأَستوحِش، فخرج بهدوء، ثم سألتُه:

ماذا أقول إذا زُرْت أهل المقابر، فعلَّمني.

أرادتْ ندى أنْ تسألَ عن تعامُلِ النَّبِيِّ مع غَيْرَةِ عائشةَ،

استحتْ أنْ تذكُرَ وضْعَ شادي مع زميلاتِهِ،

والَّذِي لا يُقارَنُ بالعَلاقةِ الحلالِ بينَ النَّبِيِّ وزوجاتِهِ، فقالتْ:

كيفَ كانَ يتصرَّفُ معَ غَيرَتِكِ من زوجاتِهِ الأُخرياتِ؟

تبسَّمتْ عائشةُ وقالتْ:

دعا رسولُ الله أصحابَه يومًا إلى بيتِي،

فأتَتْ أُمُّ سلَمَةَ زوجةُ النَّبيِّ بصحنٍ كبيرٍ فيهِ طعامٌ

لِتُكْرِمَ بهِ النَّبيَّ وضيوفَهُ

فَغِرْتُ؛ فَكَسَرْتُ الصَّحنَ بحجَرٍ في يدِي

فتحَتْ ندَى فَمَها وبَحلَقَتْ: ماذا فَعَلَ رسولُ اللهِ؟

قالتْ عائشةُ: جمَعَ بينَ فِلْقَتَيْ الصَّحْنِ -وعليهمَا الطَّعَامُ-

وقالَ لأصحابِهِ: "كُلُوا، غَارتْ أُمُّكُمْ. كُلُوا، غارَتْ أُمُّكُمْ"

يَقْصِدُني أنَا

ثُمَّ أخذَ رسولُ اللهِ صحنًا من عندِي، وبعثَ بهِ إلَى أُمِّ سلمَةَ

- وانتهَى الموضوعُ عندَ هذَا الحَدِّ؟!

- نعمْ

- لم يضرِبْكِ؟!

ضحكَتْ عائشةُ: يضربُنِي؟!

لم يضربْ النَّبِيُّ بيدِهِ امرأَةً، ولا خادِمًا، ولا شيئًا،

إلَّا حِينَ يُجاهِدُ في سبيلِ اللهِ

قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: أُحِسُّ أنَّ شخصيَّتِي طُمِسَتْ معَ شادِي؛

أشعرُ بضعفٍ وقلَّةِ تقديرٍ لِنفسِي أمامَ الآخرينَ إذَا كنتُ معهُ

فسألتْ: هل كنتِ تتصرَّفينَ أمامَ النَّبيِّ بقوَّة شخصيَّتك، وروحِكِ المَرِحَةِ؟

تبسَّمتْ عائشةُ:

حضَّرتُ طعامًا مرَّةً وعندِي سودَةُ -زوجةُ النَّبِيِّ- جالسَةً في بَيْتِي

فقلتُ لهَا:"كُلِي!" ورسولُ اللهِ بينَنَا

فقالتْ: "لا أشتهِي ولا آكُلُ"

فقلتُ: "لَتَأْكُلِنَّّ أو لَأُلَطِّخَنَّ وجهَكِ" -يعنِي بالطَّعامِ-

فلمْ تأكُلْ، فلطَّخْتُ وجهَهَا بالطَّعامِ

فضحِكَ رسولُ اللهِ،

فَأَخَذَتْ سودةُ من الطَّعامِ فلطَّخَتْ وجْهِي، ورسولُ اللهِ يضحَكُ

قالتْ ندَى في نفسِهَا: شادِي يرُدُّ علَى غَيرَتِي بإظهارِ سوءِ الظَّنِّ فيَّ،

أنِّي أتعمَّدُ الحديثَ معَ الزُّملاءِ، وأنِّي أميلُ عاطفيًّا تجاهَ أحدِهِمْ،

فسألتْ: هلْ كانَ النَّبيُّ يُحسِنُ الظَّنَّ بِكِ؟

- نعَمْ، عندمَا افْتَرَى عليَّ المنافقُونَ دافعَ عنِّي،

وقال: "واللهِ ما علمتُ على أهلِي إلَّا خيرًا" -يَعْنِينِي-

لكنَّه بَقِيَ شهرًا لا يُوحَى إليهِ شيءٌ مِنَ القُرآنِ فِي شأنِي،

ومع ذلكَ، يستحِي أنْ يُواجهَنِي بسؤالٍ يجرحُ شعورِي عمَّا يقولُهُ البعضُ،

ثُمَّ لمَّا أرادَ أنْ يَسألنِي، قالَ: "أمَّا بعدُ يا عائشةُ،

إنَّهُ بلغنِي عنكِ كذَا وكذَا..."

"فإنْ كنتِ بريئةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ،"

"وإنْ كنتِ ألْمَمْتِ بذنبٍ فاستغفرِي اللهَ، وتُوبِي إليهِ،

"فإنَّ العبدَ إذا اعترفَ ثُمَّ تَابَ، تابَ اللهُ عليهِ"

ثُمَّ أظهرَ اللهُ براءَتِي

قالتْ ندَى في نفسِهَا: عندمَا تكونُ الشَّغَّالةُ في إجازَةٍ،

فإنَّ شادِي لا يُساعدُ في البيتِ،

مع أنَّهُ يكتُبُ بوستَاتٍ عن حقوقِ المرأةِ ومَظْلُومِيَّتِها،

فسألتْ: طبعًا ما أظنُّ أنَّ النَّبِيَّ كانَ يساعدُكِ في أمورِ البيت،

فهو رسولُ اللهِ...

- بلْ كانَ يساعدُنِي، فإذَا حضرَتِ الصَّلاةُ خرجَ إلَى الصَّلَاةِ

تَفَاجَأَتْ ندى وتصَوَّرتْ منظرَ النَّبيِّ

وهوَ يُساعِدُ زوجتَه في شؤونِ البيتِ بتواضُعٍ ومودَّةٍ

قالتْ ندَى في نفسِها: أصبحَ شادي يُدخِّنُ مؤخَّرًا وأتأَذَّى منْ رَائحةِ دُخَانِهِ،

أشياءُ بسيطةٌ أصبحتْ تَستفزُّنِي؛ لماذا لا يتأنَّقُ لِي كمَا يتأنَّقُ للنَّاسِ؟

فسألتْ: هل كان النَّبيُّ يتأنَّقُ لكِ ويعتنِي برائحتِهِ كمَا يفعلُ معَ النَّاسِ؟

-كانَ إذا دخلَ بيتَه بدأَ بالسِّواكِ لأشُمَّ من فمِهِ رائحتَهُ الطَّيِّبةَ

تفاجأَتْ ندَى منْ هذَا المشهدِ

رجلٌ يَدخُلُ بيتَهُ، فيستعدُّ كما يستعدُّ الرِّجالُ اليوم

لمقابَلَةِ عملٍ أو لِلِقاءِ شخصٍ مُهِمٍّ

قالتْ ندَى في نفسِهَا: أصبحتُ أُفضِّلُ غيابَ شادِي عنِّي،

فسألتْ: واضحٌ أنَّكِ كنتِ متعلِّقةً بالنَّبيِّ جدًّا،

هل وصلتِ لمرحلةِ أنَّكِ لا تُطيقِينَ بُعْدَهُ عنكِ؟

- لمَّا كانتْ ليلةٌ مِنَ اللَّيالِي قالَ:

"عائشةُ، ذَرِينِي أتعبَّدُ اللَّيلَةَ لِربِّي"،

فقلتُ له: "واللهِ إنِّي أُحبُّ قربَكَ، وأُحبُّ ما يسرُّكَ"،

فقامَ فتطهَّرَ ثُمَّ قامَ يصلِّي

قالتْ ندَى في نفسِهَا: شادِي يَظْهَرُ أمامَ النَّاسِ بمظهرِ الخيريَّةِ والحنانِ،

لكنَّ هذِه الخيريَّةَ تتلاشَى معِي،

ويُبرِّرُ لِي بأنَّه مضغوطٌ ومشاكلُ الحياةِ كثيرةٌ

فسألتْ: هلْ كانَ النَّبِيُّ يعاملُكِ كمَا يعامِلُ النَّاسَ؟

- بلْ أفضَلَ!

فإنَّهُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-

هو القائلُ: «خَيْرُكُمْ خيرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»

فجعلَ مِعيارَ الخَيريَّةِ التَّعامُلَ معَ الأزواجِ

قالتْ ندَى فِي نفسِهَا:

هناكَ جوانبُ منْ حياةِ شادِي الخاصَّةِ أستحِي أنْ أتكلَّمَ عنْهَا

لأنَّهَا تُسيءُ لهُ جِدًّا، فسألتْ:

سامِحِينِي علَى السُّؤَالِ،

هلْ كانَ هُناكَ جانبٌ منْ حياةِ النَّبيِّ لا تُحبِّينَ أنْ يَطَّلِعَ عليهِ أحدٌ؟

- بلْ كانَتْ حياتُهُ كلُّهَا صفحَةً مَكشوفَةً،

وهَا أنَا أعْرِضُهَا للنَّاسِ بكُلِّ تفاصيلِهَا،

حتَّى ما يلزَمُ منْ تعلِيمِ النَّاسِ في العِشْرَةِ الزَّوجيَّةِ أتَكلَّمُ عنْهُ

ماذا أُخْفِي منْ حياتِهِ وقدْ كانَ خُلُقُهُ القرآنَ؟!

كلُّ ما في القرآنِ منْ أخلاقٍ وآدابٍ

رأيْتُهَا في محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-،

ظاهِرُهُ كباطِنِهِ

كانَ لَبِقًا مَعِي كَمَا كانَ معَ النَّاسِ

حتَّى أنِّي ما رأيتُهُ يضْحَكُ بشكلٍ مُفرِطٍ، إنَّما كانَ يتبَسَّمُ

قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: لاهتزازِ صورَةِ شادِي لديَّ،

أصبحتُ أنْفِرُ من عَلاقتِنَا الغريزِيَّةِ كزوجيْنِ،

وأشعُرُ أَنِّي أفعلُ شيئًا مَعِيبًا،

فسألتْ: اُعذُرينِي علَى السُّؤَالِ،

قلتِ أنَّكِ لا تتحرَّجِينَ منَ الحديثِ عمَّا يَلزمُ

منْ تعليمِ النَّاسِ فِي العِشْرَةِ الزَّوجيَّةِ،

يعنِي... ما كُنْتِ تُحسِّينَ بأيَّةِ غضاضَةٍ منْ حياتِكُمَا الخاصَّةِ؟

- لا طبعًا؛ العَلاقةُ الغريزيَّةُ بين الزَّوجَيْنِ قُربَى إلَى اللهِ في الإسلام

يأخذُ الزَّوجانِ عليْهَا أجرًا،

وهذَا شيْءٌ علَّمَنِي إيَّاهُ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-

تابعَتْ عائشةُ:

وفِي الوقتِ ذاتِهِ،

أتدرِينَ بماذا وصفَنِي اللهُ أنَا والمؤمنَاتُ مثلِي في سورَةِ النُّورِ،

عندَمَا افترَى عليَّ المنافقونَ الإفْكَ؟

وصفَنَا اللهُ بأنَّنَا "غافلَاتٌ"، أتدرِينَ ماذَا تعنِي "غافِلَاتٌ"؟

لا يخطُرُ ببالِنَا السُّوءُ والعَلاقَاتُ المحرَّمَةُ لبراءتِنَا وطُهْرِ معدَنِنَا

بلْ كنتُ حينَ أدخُلُ بيتِيَ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رسُولُ اللهِ وأبِي (أبُو بكرٍ)،

أضعُ ثوبِي، فأقولُ: إنَّمَا هوَ زوجِي وأبِي،

فلمَّا دُفِن عمرُ معهُمَا،

فَواللَّهِ ما دخلتُهُ إلا وأنا مشدودةٌ عليَّ ثيابي؛ حياءًّ من عُمَر.

أدركتْ ندَى أنَّهَا أمامَ شخصيَّةٍ مُتوازِنَةٍ رُبِّيَتْ تربيةً عجيبةً،

وأدركتْ -معَ ذلكَ- أنَّ مفهومَ الجنسِ في الإِسلَامِ مختلِفٌ تمَامًا

عن مَفهومِهِ في ظلِّ المادِّيَّةِ المُعَاصِرَةِ

تابعتْ عائشةُ: رسولُ اللهِ الَّذِي كانَ يتكلَّمُ

عنِ العَلاقةِ بينَ الأزوَاجِ بأدبٍ لِتعليمِ النَّاسِ،

ولا يستَحِي من الحلالِ،

هوَ نفسُهُ الَّذِي كانَ يستحِي منَ النِّساءِ أن يَدخُلَ فِي تفاصيلَ؛

سألَتْهُ امرأةٌ يَومًا أمامِي عنْ غُسلِهَا منَ المحيضِ، فأخبرَهَا كيفَ تغتسِلُ،

ثُمَّ قالَ: "خُذِي فِرْصَةً منْ مِسْكٍ

-يعنِي قطعةً مِنْ صوفٍ أو قطْنٍ- فتطهَّرِي بهَا"،

فقالتْ: "كيفَ أتطهَّرُ؟" قال: "تطهَّرِي بهَا."

قالتْ: "كيفَ؟"

فقالَ: "سبحانَ اللهِ! تطهَّرِي!"

فاستحَى رسولُ اللهِ أنْ يقولَ لهَا: ضعيهَا على مخرَجِ الدَّمِ

فاجتذبتُ المرأةَ إليَّ فقلتُ لهَا: تتبَّعي بهَا أثَرَ الدَّمِ

قالتْ ندَى في نفسِهَا: شادِي يستكبِرُ أنْ يُظهِرَ أمامِي ضَعفَهُ،

بل بدلًا من ذلكَ يتفشَّشُ فِيَّ إذَا تعرَّضَ لما يُظهِرُه ضعيفًا،

فسألتْ: هلْ كانَ رسولُ اللهِ يتجنَّبُ إظهارَ ضَعفِهِ أمامَكِ؟

- بلْ عندمَا مَرِضَ مَرَضَ موتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-

استأذنَ نساءَهُ أنْ يُمرَّضَ في بيتِي...

هُنَا تهدَّجَ صوتُ عائشةَ، جمعتْ أنفاسَهَا بصعوبةٍ،

ثُمَّ تابعَتْ: تُوفِّيَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-

في بيتِي علَى صدرِي، بينَ سَحْرِي ونَحْري،

كانَ أخِي عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبِي بكرٍ قد دخلَ علينَا قبلَهَا ومعهُ سِواكٌ،

فنظرَ إليهِ رسولُ اللهِ، فأحسَسْتُ أنَّهُ يودُّ استخدامَهُ،

فأخذتُ السِّواكَ فمضغتُهُ وأعدَدْتُهُ لهُ، ثُمَّ أعطيتُهُ للنَّبيِّ،

فاستنَّ بهِ كأحسنِ ما رأيتُهُ مُستَنًّا قطُّ،

ثُمَّ حاولَ أنْ يرفعَ السِّواكَ إليَّ، فسقطتْ يدُهُ

فأخذتُ أدعو لهُ بدُعاءٍ كان يدعُو بهِ لهُ جبريلُ،

وكانَ هوَ يدعُو بهِ إذَا مرِضَ، فلمْ يدْعُ بهِ فِي مرضِهِ ذاكَ،

فرفعَ بصرَهُ إلَى السَّماءِ وقالَ: "الرَّفيقَ الأعْلَى." وفاضَتْ نَفْسُهُ

فالحمدُ للهِ الَّذِي جَمَعَ بينَ ريقِي وريقِهِ في آخِرِ يومٍ مِنَ الدُّنيَا

- هلْ أَوصَيْتِ أنْ تُدْفَنِي بجانِبِهِ؟ - تمنَّيْتُ ذلكَ، لكنِّي آثَرْتُ عُمَرَ؛

لـمَّا طُعِن عُمَرُ جاؤُونِي وأنَا أبْكِي،

وقِيلَ لِي: يستأذِنُ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ أنْ يُدْفَنَ معَ صاحبَيْهِ

يعنِي زوجِيَ وأبِيَ (أَبِي بَكْرٍ)، زوجِيَ -رسولَ اللهِ- وأبِيَ،

فقُلْتُ: واللهِ كنتُ أردتُهُ لنفسِي، ولأُوثِـرَنَّهُ اليومَ علَى نفسِي

قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: لم أعُدْ أهتمُّ باهتماماتِ شادِي،

أصبحتُ أتعمَّدُ مخالفتَهُ فِي كُلِّ شيءٍ، ولا أريدُ أنْ أُشبِهَهُ فِي شيءٍ،

فسألَتْ: تفتقِدِينَ زوجَكِ رسولَ اللهِ؟

- هُوَ حيٌّ في كِيَانِي،

وأُبقي ذكرَاهُ حيَّةً لديَّ بالحديثِ عنهُ،

عنْ كلماتِهِ، حركاتِهِ، سَكَناتِهِ، قَسَماتِ وجهِهِ...

تشرَّبتُ علمَهُ وحكمتَهُ،

وأُحسُّ بأنفاسِهِ الطَّاهرَةِ بينَ ضُلوعِي حين أبُثُّ علمَهُ، وتفاصيلَ حياتِهِ،

وأصبحتُ بفضلِ الزَّواجِ بهِ أُمًّا لِلمؤمنِينَ أجمعِينَ،

وإنْ لم أُنجبْ منْ رَحِمِي،

فمِلياراتُ المُسلمينَ -إِلى يومِ القيامةِ- يحبُّونَنِي ويترضَّوْنَ عَنِّي،

ويسيرونَ بالنُّورِ الَّذِي ورَّثتُهُ لهُمْ

فأنَا الآنَ همِّيَ الأكبرُ أنْ ألتقِيَ بحبيبِي منْ جديدٍ في الجنَّةِ؛

أفعلُ مثلمَا كانَ يفعلُ:

كانَ أكرَمَ النَّاسِ، وأنَا على خُطاهُ وعلَى خُطَى أبِي أسيرُ،

بعدَ أنْ كنتُ أُطالِبُ النبيَّ يومًا بمزيدٍ من النَّفَقَةِ،

أصبحتُ الآنَ أُنفِقُ وأكادُ لا أُبقِي لنفسِي شيئًا

قالَ رسولُ اللهِ:

«وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ»،

فأنَا الآنَ إذَا عملتُ عملًا لزِمتُهُ وداومْتُ علَيْهِ

قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: نفسيَّتِي معَ شادي تعبانَةٌ، معَ أنَّنِي طبيبةٌ نفسيَّةٌ

استحَتْ ندَى أنْ تسأَلَ عائشَةَ عنْ نفسيَّتِهَا لتُقارِنَ بحالـِهَا؛

فكانَ سيبدُو سؤالًا مُضحِكًا وهِيَ ترَى هذِهِ الشَّخصيَّةَ الفذَّةَ،

الَّتي قَالَ فيها ابنُ أخيها عُروَةُ بنُ الزُّبيرِ:

"لقد صَِحبتُ عائشةَ"

"فما رأيتُ أحدًا قطُّ كانَ أعلمَ بآيةٍ أُنزلَتْ، ولا بفريضةٍ، ولا بسُنَّةٍ،"

"ولا بشِعرٍ ولا أروَى لَهُ -يعنِي للشِّعرِ-، ولا بيومٍ من أيَّامِ العربِ،"

"ولا بنسَبٍ، ولا بكذَا ولا بكذَا...، ولَا بقضاءٍ، ولا طبٍّ منهَا!"

فقلتُ لهَا: يا خالةُ، الطِّبُّ من أينَ عُلِّمْتِهِ؟

فقالتْ: كنتُ أمرضُ، فَيُنْعَتُ ليَ الشَّيء -يعني يُوصفُ على سبيلِ العلاجِ-،

ويمرضُ المريضُ فَيُنعَتُ لهُ،

وأسمعُ النَّاسَ يَنعتُ بعضُهُمْ لبعضٍ، فأحفَظُهُ

انتهتْ المقابَلَةُ

كانتْ السَّاعةُ الواحدَةَ ليْلًا حينَ انتبَهتْ ندَى

أنَّهَا صرفَتْ ساعاتٍ مُتَتَاليَةً

تقلِّبُ صفحاتِ السِّيرةِ دونَ أنْ تشعُرَ

أغلقتِ الكتابَ وهيَ مَصدُومةٌ مذهولةٌ

مَا هذَا النَّبيُّ الذي جعلَ حُـجرَةً صغيرةً عامرةً

بآلافِ المواقفِ والذِّكرياتِ الجميلةِ بهذا الشكلِ

ما هذَا النَّبيُّ الَّذِي صنَعَ من فتاةٍ

هذِهِ الشخصيَّةَ القويَّةَ المحبَّبَةَ المتوازنَةَ الواثِقَةَ المُنسجِمَةَ!

أغلقتْ ندَى الكتابَ،

وقامتْ منْ غرفةِ المكتَبِ مرورًا بِرَدهاتِ بيتِهَا الواسِعِ،

شعرتْ بالبردِ معَ أنَّهَا كانتْ مُلتحِفَةً بمعطفِهَا الفاخِرِ،

فالتَّدفئةُ مُعطَّلَةٌ بالبيتِ من فترةٍ

لأنَّ شادي لم يُحضِرِ السُّولار بعدَ نفادِهِ

-لم يحضِرِ الوَقودَ بعدَ نفادِهِ- طمَعًا في أنْ تدفعَ ندَى منْ مَالـِهَا،

وهيَ بدورِهَا كانتْ تتجاهَلُ رغبتَهُ لأنَّهَا تُحِسُّ أنَّ هذَا طمَعٌ منهُ

مرَّتْ ندَى بالمطبخِ.

ألقَتْ نظْرةً على الطَّاولةِ: آثارُ وجبةٍ أكلَهَا شادِي ولم يُحضِرْ لها وجبةً

وصلَتْ غُرفَةَ نومِهَا، الإسوارَةُ لازالتْ على الكومَدِينَا تنتظِرُ شادِي ليُصلِحَهَا

كانَ نائِمًا يشْخُرُ وبيدِهِ موبايْلُهُ

تمدَّدَتْ ندَى علَى السَّريرِ،

وتمنَّتْ لو أنَّ المقابلةَ لمْ تنتهِ، وأنَّهَا عاشَتْ كمَا عاشَتْ عائشةُ

هذهِ قِصَّةُ ندَى، قصَّةٌ تُمثِّلُ كثيرًا منْ نِساءِ اليومِ

ألقيتُهَا أمامَ مجموعةٍ مِنَ الإخوَةِ والأخواتِ،

فقالت إحداهنَّ: "أنا أعملُ منْ فترةٍ طويلةٍ في الإرشادِ الأُسريِّ،"